عادي

﴿وخَيرُ الخَطَّائينَ التوابون﴾

23:32 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

«أنا آسف» من أثقل الكلمات على الإنسان؛ ذلك أن هذا الفعل وإن كان يعبر عن خلق رفيع، إلا أنه يتطلب محاكاة بين العقل والنفس، فتحريك اللسان بهذه الحروف الخمسة، ربما يكون أثقل على المرء من زحزحة الجبال؛ إذ إن الإنسان حينما يقع خطأ منه، يتنازعه أمران؛ أولهما أنه أتى من بيئة تربى فيها على الأخلاق والقيم الإسلامية التي تحثه على فعل الخير، وعدم الإساءة للآخرين، وثانيهما أنه خالف ما تربى عليه بفعله ذاك، ونفسه صاحبة كبرياء، ترفض أن تعترف بالخطأ؛ لأن الاعتراف يترتب عليه إصلاح ما أفسد حتى لو كان ذلك مع إنسان دونه مرتبة في العلم أو العمر أو المكانة الاجتماعية.

الاعتذار وإن كانت النفس تستصعبه إلا أنه جدُ بسيط إذا فُهمت حقيقته؛ ففي البداية نحن بشر تتنازعنا حالات من الرضا والغضب، وتمر بنا ساعات يزداد فيها إيماننا، وساعات نقع فيها بالمعاصي، وفي حالات الغضب وساعات المعصية، يقع من الإنسان الخطأ، والخطأ هنا على قسمين؛ الأول خطأ مع الله بمخالفة ما أمر به أو بفعل ما نهى عنه، والاعتراف بالخطأ في هذه الحالة، يكون بالتوبة التي تتطلب اعترافاً بالذنب، وإقلاعاً عنه، واستغفاراً مع سؤال الله بأن يعيننا على عدم العودة إليه، والله يبين لعباده أن وقوع الخطأ منهم، أمر طبيعي؛ كونهم بشراً، وقد أكد النبي، هذه الحقيقة بقوله: (كلُّ ابنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيرُ الخَطَّائينَ التوابون) لكن مع ذلك يطلب إليهم ألا تدفعهم كينونتهم البشرية إلى ألا يلجأوا إلى ربهم تائبين (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر: 53، والثاني خطأ مع العباد، وهنا لا تكفي التوبة؛ إذ لا بد من إعادة الحق لأهله، وأن يطلب المخطئ العفو ممن أخطأ بحقه، ويدرك بأن الاعتراف بالخطأ فضيلة، والاعتذار عنه فضيلة أخرى، وهما فضيلتان تعززان روابط الألفة؛ فالاعتذار بلسم يمنع تطور الخصومة إلى جفاء فعداوة، ويرفع قدر صاحبه، وهو خلق إسلامي، وفن إنساني لا يتقنه جميع البشر.

بما أن الاعتذار واجب، فإن قبوله أوجب، وقبول الاعتذار لا يعني رضوخاً للأمر الواقع؛ بل هو حفظ للود وروابط الأخوة، وانظر لإخوة يوسف (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ)، فأجابهم (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وكذا فعل نبينا مع أهل مكة، وما أجمل أن يسود خلق الاعتذار من جانب والعفو من الجانب الآخر بين الزوجين، قال أبو الدرداء لزوجته: «‏إذا غضبت فرضِّيني، وإذا غضبتِ رضَّيتُك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق»، وما أجمل أن يسود هذا الخلق بين الأصدقاء وصدق من قال:

وقيل لي قد أساء إليك فلان

وقعود الفتى على الضيم عار

قلت قد جاءنا فأحدث عذرا

دية الذنب عندنا الاعتذار

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jv2yv6z

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"