عادي
رقائق

﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ...﴾

22:25 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

من البدهيات أن الإنسان يحب نفسه، ويَجِدُّ في الوصول إلى ما تتمناه، لكن ديننا نظم هذه المحبة، فلم يسمح للإنسان بأن يطلق الجماح لنفسه، تفعل ما تشاء من دون ضوابط شرعية وأحكام دينية، وفي الوقت نفسه، لم يكبل النفس ويمنعها مما تتمنى، وفي ذلك إنصاف وعدل؛ إذ إن الفرد خُلق لا يعرف ما يصلح له وما لا يصلح، والشرع إنما جاء ليبين للناس الطريق القويم، ويهذب النفوس ويرشدها إلى ما فيه صلاحها في الدنيا، وفلاحها يوم القيامة، ولو أن الفرد تُرك على حريته؛ لبغى الناس، وفسدت الأرض، وهذه حال أهل الجاهلية قبل الإسلام، كما قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي «كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف».

الإنسان يحب نفسه ويقدمها على كل شيء، ولكن كما قيل: والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على..... حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم؛ لذا فإنها تحتاج إلى ضوابط، والله حينما أنزل تعاليم الإسلام، أراد بذلك تنظيم حياة الإنسان، وجعل نفسه مطمئنة، تسير على الفطرة السليمة التي خُلقت عليها، فهو سبحانه، خلق الناس على فطرة سوية، لكن الناس منهم من غيّر تلك الفطرة، باجتناب الأوامر وفعل النواهي، ومنهم من التزم نهج ربه، والقسم الأول تأمره نفسه بالمعاصي (...إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ثم إنه قد يتذكر أوامر ربه أو قد يأتي من يرشده للطريق الصحيح، فتتنازعه الإقامة على المعصية، والعودة إلى منهج الله، فإن غلّب الثانية، عادت نفسه إلى رشدها، وبدأت تتقوى على الطاعة بتذكيره وتحذيره، فتكون النفس اللوامة التي تأخذ صاحبها إلى نفس نقية طاهرة يخاطبها ربها عند وفاتها (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).

مرد تقديم شهوات النفس هو الأنانية وحب الذات، وهذه الأنانية تدفع صاحبها إلى الطمع، كما حدث مع قارون الذي دعاه مؤمنو قومه إلى الموازنة بين متطلبات النفس وأوامر الله، لكنه أبى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)، كما تدفعه إلى الحسد، فيتمنى زوال النعمة عن مستحقها، وقد يبذل في ذلك كل أمر قبيح حتى لو كان القتل، كما حدث مع ابن آدم الأول قبيل؛ إذ دفعه حبه لذاته إلى قتل أخيه (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وكما حدث مع إخوة يوسف فما فعلوا ما فعلوه بأخيهم إلا لتغليب الأنانية؛ لذا نرى أنا ديننا لم يلغِ حب النفس، لكنه في الوقت ذاته، علّم المسلم محبة الآخرين، ودعاه إلى خلق الإيثار حتى لو كان فقيراً، لأن في ذلك الفلاح والنجاح (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ybfset2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"