عادي

﴿ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

23:19 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

من أكثر ما يسعد الإنسان انتصار رأيه؛ فالنفس قد يُداخلها خلال جلسات الحوار حب الظهور؛ ويكسبها التفوق على المُحاور ما تحب، حتى لو كان هذا التفوق من غير حجة بيّنة، لكن الإنسان المنصف يرجع إلى الحق حتى لو كان في ذلك تجاوز لرأيه، ودحض له؛ إذ إن ما نتحاور فيه أحد أمرين: شأن ديني أو أمر دنيوي، فأما الأول وهو الشأن الديني فإما أن يُبنى على نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وهذا لا مناص من الإذعان لما فيه، ولا إعمال للرأي معه؛ إذ لا اجتهاد في مورد النص، وإما أن يكون مبنياً على الاجتهاد والرأي، وهذا لا بد من وقوع الاختلاف فيه، لأسباب عدة منها اتساع معاني اللغة، وتعدد دلالاتها، واختلاف طرق وصول الحديث الشريف، واختلاف القواعد الأصولية وضوابط الاستنباط، وبناء على هذا قد يصيب المجتهد، وقد يُخطئ، وفي الحالتين الاختلاف ينبغي ألا يؤدي إلى الخلاف؛ بل بالعكس في هذا الاختلاف توسعة ورحمة، وامتلاك لثروة فقهية؛ لذا على المجتهد أن يضع نصب عينيه أنه في أي حكم ديني يسعى إلى نيل رضوان الله، وكذا حال من يحاوره، وينبغي له أن يأخذ بحسن ظاهر من يحاوره، دون أن يُعمل ظنه في تأويل باطنه؛ فلقد أُمرنا أن نأخذ بالظواهر، والسرائر يتولاها خالقنا، سبحانه، وكثيراً ما سمعنا أن الصحابة والتابعين اختلفوا في تأويل أمر ما، لكن اختلافهم لم يخرجهم عن دائرة الأخوة والمحبة، وعن مبدأ رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، ومرد ذلك أن بوصلتهم كانت لجهة واحدة؛ وهي كسب مرضاة الله؛ لذا نرى الإمام الشافعي القائل بدعاء القنوت في صلاة الفجر لم يفعله حينما صلى في مسجد الإمام أبي حنيفة في العراق، ولما سئل، قال: احتراماً لصاحب هذا القبر؛ إذ إنه إنما قال عن اجتهاد، وأبو حنيفة حينما لم يقل بالقنوت بالفجر كذلك كان عن اجتهاد، وما فعله الشافعي كان حال جميع العلماء، فلا يُخطّئ اللاحق منهم السابق؛ بل يُجله، ويبني على قوله.

أما الثاني وهو الأمر الدنيوي فهذا أحياناً قد يتساوى فيه الصواب والخطأ، وقد يكون الخطأ أعلى من الصواب، وهنا في أي نقاش ينبغي أن نتبع قاعدة حوارية، مبدأها إن كنت ناقلاً فالصحة أو مدعياً فالدليل، ولا بد أن نتنبه أن الاختلاف لا يفسد للود قضية؛ إذ كثيراً ما تفسد علاقة أخوة بين صديقين لمجرد أن رأي هذا يخالف رأي الآخر في موضوع ما، وقد يتطور الاختلاف إلى خلاف ثم إلى قطيعة واقتتال، وفي بعض الأحيان قد يكون الاختلاف على أمر لا طائل منه، ولو حكمنا الشرع في تعاملنا، لوجدنا أن الله يدعونا حتى في الأمور العظيمة إلى المجادلة بالحسنى ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، ويكفي المجادل لترك الجدال، ما ضمنه له رسول الله (أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لمن ترك المِراءَ وإن كان مُحقًّا..)

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4n2w5hkc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"