عادي
رقائق

«وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ»

22:21 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل
تجتمع في الإنسان التناقضات، فهو على الرغم مما يمتلكه من قوة ومال، فإنه ضعيف فقير، وكذا حاله في سائر أمور حياته، فعلمه سُبق بجهل، وقدرته سُبقت بضعف، والغريب أنه ينسب الفضل لنفسه، متناسياً أن المنعم هو الله. وهذا بالتأكيد ليس حال كل إنسان، فالمؤمن يرجع كل خير إلى الله، وكل شر إلى نفسه، وهذه حال الأنبياء ومن سار على هديهم، فأيوب لما نزل به ما نزل روى القرآن عن حاله «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» الأنبياء: 83، فالمسلم شعاره قوله تعالى: «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ» غافر: 44، ففي الحزن يلجأ إلى خالقه وكذا بالفرح، وفي كل حال لا ينبغي أن ينسى فضل ربه عليه، وألا يتبادر إلى مخيلته أنه ليس بحاجة إلى عون الله له، لأنه يمتلك كل أسباب السعادة من مال وصحة وولد، فمن أعطاه قادر على منعه، ومن رزقه قادر على حرمانه.

المسلم يدرك أن ما حازه من علم أو مال أو ولد هي أمور طارئة عليه، بمعنى أنها لم تلازمه منذ ولادته، وإنما طرأت على حياته، وهذا يؤكد أنه اكتسبها اكتساباً، وهذا الاكتساب ما كان ليتمكن منه لولا توفيق الله له، فكم من طالب التزم المدرسة وتخرج في الجامعة وحاله كحال من لم يدرس يوماً، فحيازة العلم على الرغم من أن فيها جانباً من كسب الإنسان، فإن أساسها توفيق الله، وما يقال على العلم يقاس عليه غيره من أسباب الحياة الدنيا. ومن ظن أنه ينبغي عليه أن يلجأ إلى الله في حال الضعف والانكسار فقط، فقد جانب الصواب، فالعبد حتى لو كان في أعظم قوة، لا ينبغي أن ينسى تفويض أمره لربه، ومن فوض أمره إلى الله كفاه كل ما أهمه، أما من ادعى الأمر لنفسه فليس الله بعاجز عنه، فقارون الذي أعطاه الله مالاً تنوء العصبة بحمل مفاتحه، أخذه العجب بنفسه، ولما طلب منه قومه أن يفوض الأمر إلى ربه في رزقه ويشكره، أخذته العزة بالإثم فكان مصيره أن خسف الله به وبداره الأرض. وروي أن غلاماً من العرب لقي أبا العلاء المعري، فسأله: من يكون الشيخ؟ فأجابه الشاعر أنه أبو العلاء المعري، فقال الغلام: أهلاً بالشاعر الفحل، ثم قال: أأنت القائل في شعرك؟ فإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانَهُ... لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ

فأجابه: نعم، فقال الغلام: الأوائل وضعوا ثمانية وعشرين حرفاً للهجاء، فهل لك أن تزيد عليها حرفاً واحداً؟ فسكت أبو العلاء ثم ردد: والله ما عهدتُ لي سكوتاً كهذا السكوت من قبل.

لنتذكر من اعتمد على الناس ذل، ومن اعتمد على ماله قل، ومن اعتمد على علمه ضل، ومن اعتمد على نفسه مل، ومن اعتمد على الله فما ذل ولا قل ولا ضل ولا مل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhrb77m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"