عادي
إدارات مدارس تغض الطرف للمحافظة على الطلبة

تنمر الآباء على كوادر التدريس.. إهانة لمنابر العلم

01:38 صباحا
قراءة 6 دقائق
5
3
  • أولياء الأمور: احترام المعلم ضرورة إلزامية
  • مديرو مدارس: تجاوزات غير لائقة تُضيع الهيبة
  • معلمون: ضرورة الالتزام بالحدود المسموح بها

تحقيق: محمد إبراهيم
يشكل تنمر بعض أولياء الأمور على الكوادر التعليمية، سواء التدريسية أو الإدارية أو الفنية، خرقاً للأعراف وإهانة لمنابر العلم، إذ إن للهيئات المدرسية هيبة تمثل أحد أهم مقومات منظومة تربية وتعليم الأجيال، لكن الأخطر هو أن هذه التجاوزات تنعكس سلباً على سلوكيات الطلاب، وتفتح لهم المجال لتقليد الآباء بوصفهم القدوة، واعتبر تربويون أن تهكم أولياء الأمور مؤشر على ضياع هيبة الإدارة المدرسية، مؤكدين أن بعضهم يعتقد أن الرسوم المقدمة لتعليم أبنائهم تمنحهم حق الاعتداء على العاملين بالمدرسة، وطالبوا بضرورة تغليظ العقوبات على غير الملتزمين.

«الخليج» تناقش مع الميدان التربوي بمختلف فئاته أسباب هذه التجاوزات، وكيف تؤثر في الطالب والعملية التعليمية كافة، وإلى أي مدى يعاني أثرها القطاع المدرسي، وكيفية مواجهتها وموقف القانون منها؟

عبر عدد من المعلمين والمعلمات عن استيائهم ورفضهم التام لأي سلوكيات تحط من شأن المعلم أو تتسبب في إهانته، لاسيما أن رسالته مقدسة وينبغي احترامها وتقديرها من الجميع، معتبرين تلك السلوكيات جرائم تستدعي تدخل القانون، مطالبين بضرورة التزام ولي الأمر بحدود التدخل المسموح له بها في العملية التعليمية، فيما أكد مديرو مدارس أن تدخلات الوالدين في العملية التعليمية، باتت أمراً مبالغاً فيه، إذ يؤثر سلباً في جودة المخرجات، وينمي لدى أبنائهم سلوكيات غير لائقة، تؤثر في تكوين شخصياتهم وأخلاقياتهم مستقبلاً، فيما يرى المختصون في القانون، أن تلك السلوكيات تجاوزات تقود صاحبها إلى المساءلة القانونية.

مواقف متنوعة

رصدت «الخليج» مواقف متنوعة من الميدان التربوي، وكان أحدثها تنمر ولية أمر على إحدى المعلمات في مدرسة خاصة لتجبرها على تصحيح الواجبات المنزلية لابنها، على الرغم من توضيح المعلمة أن عملية التصحيح تسير وفق خطة ممتدة على مدار الأسبوع، فما كان من ولية الأمر إلا إهانتها والانتقاص من كرامتها واتهامها بعدم معرفتها مهام عملها.

وفي واقعة أخرى بإحدى المدارس الخاصة أيضاً، تنمر ولي أمر لفظياً على موظفة إدارية بالمدرسة، عندما رفضت ردّ رسوم تسجيل أبنائه وفقاً للقانون، لينهال عليها بسيل من الألفاظ غير اللائقة ويهددها بتقديم شكوى بحقها، في وقت لم تستطيع «المحاسبة» أن تتفوه بكلمة واحدة رداً على تنمر ولي الأمر.

وفي واقعة ثالثة، تنمرت ولية أمر على مشرفة إدارية في إحدى المدارس الخاصة، إذ منعتها الأخيرة من التجول في أقسام المدرسة من دون هدف، حفاظاً على تركيز الطلبة واستقرار العملية التعليمية في الصفوف، فما كان من ولية الأمر إلا الصراخ في وجه المشرفة والادعاء بأشياء وأفعال لم تحدث، بصوت مرتفع أثار فزعاً من حضور المشهد من معلمين وطلبة وإداريين.

ضرورة ملحة

هناك ضرورة ملحة لإيجاد حلول ناجعة للتصدي لسلوكيات بعض الأهالي، وتنمرهم على المعلمين والكوادر التربوية، إذ إن هيبة المدرسة بكوادرها كافة، تعد أحد مقومات العملية التعليمية، والمعلم لا يعمل عند أحد كما يعتقد بعضهم خطأ، بل يجب على المجتمع بكامل قوامه احترامه وتقدير دوره وتعزيز مكانته وتمكينه من أداء رسالته وتكريمه وليس توبيخه، هذا ما أكده أولياء الأمور إيهاب زيادة ومحمد عصام وعلي مراد وفؤاد حسين ومهرة حمد.

وشددوا على تأييدهم للآراء التي ترفض تلك السلوكيات جملة وتفصيلاً، لاسيما أنها لا تليق بقداسة العلم، ومكانة ورسالة الكوادر المدرسية بمختلف فئاتها، التي تركز على بناء أجيال المستقبل، موضحين أن اللوائح سلبت الكثير من صلاحيات المعلم، وأسهمت في ضياع هيبته، وأفقدته الوقار والمكانة، فضلاً عن اختلال دور الأسرة في تقويم الأبناء، وإغفال بعض إدارات المدارس سبل حماية المعلم والمحافظة على هيبته، فضلاً عن غض الطرف عن الكثير من السلوكيات المرفوضة والتجاوزات غير المسؤولة من بعض أولياء الأمور، للمحافظة عليهم ك«زبائن» في المدرسة، وعدم سحب أبنائهم أو نقلهم إلى مدارس أخرى.

مواقف ومشاحنات

عدد من أولياء الأمور، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، كان لهم مواقف ومشاحنات مماثلة مع الهيئات بأنواعها في بعض المدارس، حيث رفضوا وصف طريقة تعاملهم مع الكوادر التربوية ب«التنمر»، مؤكدين أن هناك بعض المعلمين يتبعون أساليب مستفزة عند التعاطي مع أولياء الأمور، وبعضهم يتعالى على ولي الأمر ولا يمنحه فرصة الاقتراح.

وأفادوا بأن هناك معلمين ومعلمات يفضلون طالباً على آخر، الأمر الذي يخلق مشاحنات دائمة بين الطلبة، تؤثر بلا شك في مستوياتهم العلمية، مؤكدين أنه لا علاقة بالرسوم الدراسية بطريقة التعامل مع المدرسة بكوادرها، والأمر لا يتجاوز حد الاقتراح أو النقاش أو الاعتراض، ولكن بعيداً عن تلك الانتقادات، أجمعت آراؤهم على رفض أي سلوك يهين المعلم أو أي كادر يعمل في المدرسة حفاظاً على مكانة العلم، مؤيدين جميع الإجراءات التي تحافظ على الكوادر التربوية، وتعزز دورها في المجتمع، وتتصدى لكل أساليب التنمر التي تستهدفها.

مواقف متعددةالمعلمون والمعلمات؛ رضوى عبدالله وإبراهيم القباني وريبال غسان العطا ومنى عبدالهادي ومحمد بدواوي، أكدوا أن تدخلات أولياء الأمور موجودة فعلياً، وفي مواقف متنوعة، تتفاوت فيها تجاوزاتهم، فلا نستطيع أن نعمم السلوكيات السلبية على مجتمع أولياء الأمور، إذ إن هنا الكثير يدرك قيمة المعلم وأهمية دوره واحترام وتقدير جهوده.

وأضافوا أن هناك شريحة من أولياء الأمور يتعاملون مع المعلم على أنه عامل لديهم، وعليه أن يطيع توجيهاتهم، وعدم المساس من قريب أو بعيد بأبنائهم، سواء كانوا على حق أو باطل، مؤكدين أن هناك فعلاً تجاوزات سلوكية مرفوضة تهين المعلمين وتقلل من شأنهم وهيبتهم، وقد يكون الأمر أكثر شيوعاً في المدارس الخاصة، مقارنة بالمدارس الحكومية التي وجدت لنفسها إجراءات رادعة لمواجهة أي تجاوز من أولياء الأمور.

وأفادوا بأن تجاوزات أولياء الأمور تتبلور في توجيه المعلم نحو طرائق تدريسية تستهوي ولي الأمر ولا تنتمي إلى العملية التعليمية، والتنبيه على المعلمين والمعلمات بعدم تعنيف الطالب أو عقابه عند الخطأ، وعدم الوقوف على سلوكياته المرفوضة، فضلاً عن الاعتراض المستمر على الواجبات المنزلية والأنشطة وعلامات الطالب في الامتحانات التقييمية، إضافة إلى الاتهامات والادعاءات التي لا تنتهي بوصف المعلم بأنه يهتم بطالب ولا يراعي آخر، وجميعها هجمات يتلقاها مجتمع المعلمين يومياً، ولكن إيمان المعلم برسالته تمنحه قوة التماسك ومواصلة المسيرة.

مبادئ أخلاقية

في وقفة مع عدد من مديري المدارس، أكد كل من وليد فؤاد لافي وخلود فهمي وحميدان ماضي وريهام فاروق، أهمية عدم المساس بهيبة الكوادر المدرسية من المعلمين والإداريين والفنيين، التي تشكل ركيزة أساسية لمنظومة التعليم، كما ينبغي أن يلتزم الجميع بالمبادئ الأخلاقية، واحترام المعلم وتمكينه، وتعزيز مكانته في مجتمعات العلم، ومن يتجاوز حدود الاحترام يستحق العقاب.

وفي شرحهم الأسباب وراء وجود تلك التجاوزات، أكدوا أن السبب الرئيسي يعود إلى المقومات الأسرية وأساليب التربية، موضحين أن أي سلوك يصدر عن الوالدين ينعكس بالضرورة على الأبناء ويؤثر سلباً في أخلاقياتهم وسلوكياتهم وطرائق تعاملهم مع الهيئات بأنواعها في المدرسة، وهنا زمام الأمور وتربية النشء وتقويم الأبناء في أيدي أولياء الأمور، وينبغي الانتباه إلى سلوكياتهم وتصرفاتهم، لاسيما التي تتعلق بتربية وتعليم الأبناء، ليتمكنوا من غرس القيم والأخلاق الحميدة والاحترام وتقدير المعلم في نفوس أبنائهم، نظراً لدوره الذي يقوم به في بناء أجيال المستقبل.

ثقافات دخيلة

وفي محاولة للتعرف إلى ماهية تلك التجاوزات وهل من الممكن أن تجرّم أصحابها؟ التقينا المستشارة القانونية مها الجسمي التي أكدت أن التنمر سلوك مرفوض بكافة أشكاله، ولا يجوز وجوده في مجتمع التعليم الذي يُعرف بقداسة رسالته، ومن غير اللائق أن تحوّل مشاحنات أو خلافات الطلبة مع المعلمين أو أولياء الأمور مع المعلمين والتربويين إلى مراكز الشرطة وساحات القضاء، لذا على الجميع إدراك دوره وواجباته جيداً، والعمل في نطاق اختصاصه من دون التجاوز أو التنمر على غيره، علماً أن الكوادر التعليمية في النهاية صاحبة رسالة، وتركز في مضمون عملها على إيصالها من خلال المؤسسة التعليمية التي يعمل بها، ولا يجوز أن يعامله ولي الأمر بأنه عامل لديه.

وأكدت أن هناك مواد قانونية تعالج جرائم «التنمر» بأنواعها، ولكن الإشكالية الحقيقية تكمن في الحاجة الماسة إلى فهم القوانين بدقة والتعامل معها بمسؤولية ووعي وثقافة، إذ إن هناك فئات ترتكب جرائم، ولا تعي أساساً أنها جريمة يعاقب عليها القانون، فكم من مواقف بسيطة حدثت واكتشف أصحابها بعد ارتكابها أنهم في مواجهة مع عقوبات القانون، موضحة أن التنمر ناتج عن ثقافات دخيلة، أفرزها الانفتاح اللامحدود على العالم، لذا ينبغي مواجهته على كافة الصعد «قانونياً واجتماعياً ونفسياً وتوعوياً».

4 أسباب

أجمعت الآراء على أن هناك 4 أسباب لوجود تجاوزات من أولياء الأمور، أبرزها ضعف بعض الإدارات المدرسية التي تقدم ولي الأمر على المعلم، ونادراً ما تتخذ موقفاً يساند معلميها ويرفع عنهم الإهانة، فضلاً عن النظرة الدونية من قبل ولي الأمر للمعلم على اعتبار أنه يعمل لديه وليس لدى مؤسسة تعليمية، وأخيراً تحاشى المعلم الآن توجيه اللوم لولي الأمر، لتجنب شكواه وادعاءاته.

حلول علاجية

أكدت المستشارة النفسية والأسرية أميمة حسين، أن هناك حلولاً علاجية تساعد على القضاء على تنمر الوالدين على الكوادر التربوية، أبرزها توعية الآباء بأهمية احترام قداسة المدارس وهيئاتها، وتثقيفهم بمخاطر التنمر، واتخاذ إجراءات صارمة بحق الذين يصرون على تكرار التجاوزات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2dvjdx5v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"