عادي
في رابع عروض مهرجان دبي لمسرح الشباب

«ضيف محارب الضوء»..الحياة أحجية فلسفية

19:32 مساء
قراءة 4 دقائق
مشهد من العرض تصوير جون
دبي: علاء الدين محمود
تواصلت مساء أمس، الثلاثاء، عروض وفعاليات الدورة الـ14، لمهرجان دبي لمسرح الشباب، في مسرح «ندوة الثقافة والعلوم»، حيث شهد الجمهور مسرحية «ضيف محارب الضوء»، لمسرح رأس الخيمة الوطني، تأليف أحمد العويني، إخراج إسماعيل سالم، وتمثيل مجموعة من الشباب منهم: إسماعيل سالم، وشيرين حافظ، وبقية الممثلين الذين قاموا بدور المجاميع منهم: خالد أحمد، وصالح عبد الله، وعلي شملك، وأحمد الشحي.
العمل أعلن عن ارتفاع وتطور في عروض المهرجان، إذ جاء وهو يجمع بين جمال الفكرة وغرابتها عبر نص اتسم بالجراءة والعمق، والمعالجة الإخراجية الجيدة التي استطاعت أن تتمثل النص، وفي ذات الوقت قدمت اشتغالات ومقاربات خاصة بأدوات إخراجية جيدة.
العرض عبارة عن رؤية فلسفية عميقة للحياة والموت والوجود والعدم، فهو يدور حول تلك الثنائيات والتناقضات التي هي قوام الحياة، حيث ينفتح العمل على حياة رجل يعيش في عوالمه الخاصة والغريبة، يخشى الظلام لدرجة الفوبيا، فيقوم بإشعال الأضواء طوال اليوم، يقضي حياته كلها تحت تلك الأنوار الساطعة ويطلق العنان لأفكاره العجيبة والغريبة، ويظل طوال اليوم في انتظار ضيف سوف يأتي، ويعد الحوارات والكلمات التي سوف يلقيها في حضرة ذلك الضيف مجهول الهوية، والذي قد يكون هو الموت، أو ربما يكون هو تلك الظلمات التي يخشاها، فعلى الرغم من أن الرجل يعيش زحمة من الأنوار الكاشفة، إلا أن ظلاماً قد عم دواخله التي امتلأت بالهواجس والظنون والقتامة، كانت تلك المشاعر تقتات من روحه فتحيله إلى شبح يتجول بين تلك الأضواء مثل فراشة ارتبطت حياتها بالرحيق فلا تستطيع منه فكاكاً، لأن الموت ينتظرها في حالة الابتعاد.
وفي المقابل كانت زوجته تمثل ذلك الآخر الذي يعيش في الواقع ويبحث عن حياة عادية، لذلك لطالما اتسمت الحوارات الطويلة بينهما بالتشنج وطابع الصراع الذي يكشف عن عوالم متناقضة، فكل من الزوج والزوجة يدور في فلك خاص به، فالمرأة كانت تبحث عن الانعتاق من نمط تلك الحياة الغريبة التي فرضها عليها زوجها تحت تلك البقع الضوئية الكاشفة، فالمرء يحتاج بلا شك للحظات الظلام، فتلك هي طبيعة الحياة العادية، فقد أرادت لحظات خصوصية يوفرها الظلام، أو أن تنعتق من تلك الحياة القاتمة التي عاشتها ما بين الشك والظنون وكل أحاسيس زوجها السلبية والإيجابية. وهناك لحظات في العمل تكشف عن مشاعر حب عظيم للزوج يحملها لزوجته، لكنه لا يستطيع أن يعبر أو يتعامل بصورة جيدة مع مشاعره تلك، ولحظات أخرى يتقلب فيها بين الحب والكره، فتلك هي الثنائية التي حكمت علاقته مع زوجته بسبب عواصف من الهواجس، وثورات من الشك، ونوبات من الظنون.
*جنون الحياة
ويظل الرجل في سعي متواصل لاكتشاف أسرار الحياة تحت تلك الأنوار الكاشفة، حيث إن النور هو المعجزة الوجودية، وهو الرمز الذي يحمل دلالة الحرب على الظلام، لذلك فإن هذا الرجل هو بطل من نوع خاص، ومحارب يشهر سيفه ضد الظلمات، لكنه في ذات الوقت يحمل الكثير من الأثقال والتناقضات التي لا يستطيع أن يتخلص منها، حيث ينقصه الإيمان في كثير من الأحيان، وتفارقه الإرادة في بعض اللحظات فتنفلت منه رؤيته التي يتمسك بها درجة التعنت، فهو أشبه بدون كيخوت الذي يحارب طواحين الهواء، غير أن بطلنا اختار أن يواجه الظلام بتهور في كثير الوقت، واتزان في بعض اللحظات، فهو يعلم جيداً أن تقلباته هي جزء من جنون الحياة، لكن الحكمة هي ذلك القبس من الضوء الذي يتسلل عبر لحظات الجنون، ليظل بطل العمل يتمسك بما يراه إلى أن تسلمه الحياة للموت الذي هو راحته الأخيرة.
نص العرض يتناول ثيمات الخير والشر، البطولة والخيانة، ويبدو أن مؤلفه قد قام بمعالجة ومقاربة لأحد النصوص العالمية، فتلك الثنائيات ظلت حاضرة في الكثير من الرؤى الفلسفية لكتاب ومفكرين طرحوها في نصوص عديدة، فهو يحتشد بالحكمة والأفكار الإنسانية التي تعبر عن البشرية في كل مكان، وتنشد الخير وسيادة الجمال كبديل للقبح.
*رؤية إخراجية
وإذا كان النص عميقاً، فقد جاءت الحلول والرؤى الإخراجية غاية في الجمال، فقد استطاع المخرج أن يمرر عوالم العرض، خاصة الثقيلة منها، عبر مقترحات متميزة، لعل من أهمها توظيف الموسيقى بطريقة خدمت العمل وبينت الحالات النفسية والأبعاد الجمالية، فقد ابتدأ العرض بقطعة موسيقية طويلة نوع ما، لكنها كانت بمثابة عتبة ترمز لعوالم العمل وقصته، ثم أعقبتها أدائية راقصة شديدة التعبير عن العمل، واتضحت براعة المخرج في إدارة تلك المجاميع التي على الخشبة، وكذلك قطع الديكور البسيطة والمعبرة، وجاءت الحركة منضبطة ومتزنة، وكان الأداء التمثيلي متميزاً، ولئن كانت العروض السابقة قد عانت مشكلة الإضاءة، فإن توظيف عناصر السينوغرافيا في هذا العمل كانت متقنة، فالعرض نفسه يقوم على فكرة الضوء، فكان تنفيذ الإضاءة مميزاً عبر الإنارة الكاملة في أحيان، والاعتماد على البقع الضوئية في لحظات أخرى بطريقة كشفت عن وجوه الممثلين وتعبيراتهم وأوضحت أبعادهم النفسية، وربما كانت الإشكالية والوحيدة في العرض هي الصوت في بعض الأحيان، ومخارج الحروف، خاصة أن العرض كان باللغة العربية الفصحى، لكن بصورة عامة وجد العرض إشادة كبيرة من الجمهور من خلال التفاعل في القاعة، ومن قبل النقاد في الندوة التطبيقية التي تلته.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/53rbe67n

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"