عادي
العرض الافتتاحي في مهرجان دبي لمسرح الشباب

«مؤتمر المجانين»... نقد لاذع للإعلام ومواقع التواصل

19:11 مساء
قراءة 4 دقائق
مهرجان مسرح الشباب دبي/ تصوير محمد الطاهر

دبي: علاء الدين محمود

شهدت ندوة الثقافة والعلوم في دبي، مساء أمس، السبت، حفل افتتاح الدورة 14، لمهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي تنظمه هيئة دبي للثقافة والفنون وسط حضور، تقدمه الدكتور صلاح القاسم مستشار الهيئة، وبلال البدور رئيس مجلس إدارة الندوة، وفاطمة الجلاف، مدير إدارة الفنون الأدائية في الهيئة، إضافة إلى الفنانين ناجي الحاي، ومرعي الحليان، ومحمد سعيد السلطي.

استهل المهرجان عروضه بمسرحية «مؤتمر المجانين»، لفرقة «جمعية ياس للثقافة والفنون والمسرح»، تأليف د. محفوظ غزال، إخراج: عبد الله الحمادي، معالجة نص: محمد صالح، وتمثيل: حمد النقبي، مازن الزدجالي، معتصم زيدان، وجعفر ماردنلي.

المهرجان انطلق بثيمة الكوميديا الهادفة التي تستعرض وتناقش القضايا الاجتماعية وتطرح الرؤى المغايرة، وذلك ما حاول العرض أن يتمثله، إذ يحكي عن انعقاد مؤتمر للمجانين في عالم يلفه الجنون في هذا العصر المتسارع والمتشظي، والذي تسود فيه قيم العولمة والاستهلاك، حيث يقدم العمل رؤية عن واقع اليوم من خلال أفواه مجموعة من المجانين، يطلقون أراءهم بكل حرية وشفافية، ولعل كاتب النص قد استلهم مقولة «خذوا الحكمة من أفواه المجانين»، فعمل على صناعة شخصية «المجنون الحكيم»، من خلال تلك المجموعة التي تصدح بالحقيقة في عالم يلفه الصمت التام.

*أرضية خصبة

عقد العرض محكمة ضد كثير من القيم السائدة، وعمل على تعرية العديد من المفاهيم والعادات الجديدة والتقاليد التي ترسخت بفعل المتغيرات التي صنعتها العولمة والثورة الرقمية، فكانت أولى سهام نقد المجانين قد توجهت نحو وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تشهد توظيفاً سيئاً لا يخدم الحقيقة، بل يقوم بتزييفها، فالأخبار صارت تفبرك الوقائع، وتوجه الرأي العام بطريقة مختلة بحيث تحدث أضراراً كبيرة في المجتمعات، إذ تجد الأخبار السياسية قبولاً، أما الاجتماعية فهي صاحبة الشعبية الأكبر، لأن الناس تفضل أخبار الفضائح والنجوم والأسرار الخاصة، فهي أرضية خصبة لنشر الشائعات وخراب البيوت العامرة، فالحقيقة لم تعد ثابتة بل متغيرة وملونة ومصنوعة، أما الأخبار الثقافية فلا تجد من يتابعها، بحسب العرض، الذي كان عبارة عن منصة ترصد وتحاكم وتدين، كما قدم العمل نقداً للكثير من الشعارات التي ترفعها المنظمات الدولية والشعوب المتقدمة ولا تعمل بها، مثل حقوق الإنسان التي هي عبارة عن أكذوبة صدقها الجميع، وكذلك مفهوم الحياد وعدم الانحياز، حيث إن الواقع يكذب مثل تلك الشعارات من خلال الصراعات والمآسي التي يعيشها البشر في أنحاء مختلفة من العالم.

ويلفت العرض إلى أن الخطير في واقع الإعلام والأخبار اليوم، أنه لم تعد هناك حاجة للقنوات والتلفزة ووسائل الإعلام التقليدية في نقل وصناعة الأخبار، فقط يكفي جهاز هاتف نقال حديث وذكي، ليصنع الكثير من الكوارث عبر صناعة الأخبار الملفقة ونشر الشائعات الكاذبة، والاهتمام بالتفاهات من ثرثرة وأحداث ليست ذات أهمية، حيث صار في إمكان كل شخص لديه هاتف أن يصل إلى أكبر قدر من الناس لنشر أفكاره، ولذلك هناك قدر كبير من الخواء والانصراف عن القضايا الأساسية التي تهم البشرية.

*أسئلة

العمل أثار الأسئلة الساخنة، حول القضايا الإنسانية التي يعيشها الناس في كل مكان، إذ تسود في واقع اليوم البطالة ويعم الملل، وتنتشر الفردية، ويعاني الإنسان اغتراباً مريراً عن واقعه وجوهره الإنساني، كما يسود الاختلاف في كل مكان، ليس على مستوى العلاقات بين الدول فقط، بل وحتى بين الأفراد العاديين، اختفت قيمة التوافق تماماً، وحل مكانها الانغلاق وهو الأمر الذي يصنع التطرف والتوتر، حيث لم تعد عملية الحوار نفسها تقود إلى الحقيقة، بل إلى مزيد من الاختلاف حول الحقائق، كما يعمل العمل على انتقاد روح العصر بصورة ساخرة، خاصة فيما يتعلق بسيادة قيم الاستهلاك، هذا فيما يتعلق بالطبقات الغنية في أي مجتمع، أما الفقراء والفئات متوسطة الدخل، فإن ارتفاع الأسعار يمنعها من مثل ذلك الترف، بالتالي فإن هناك هوة كبيرة بين الطبقات في كل المجتمعات حول العالم، كما يعرج العرض نحو عالم الموضة، وكيف باتت تهمين على الكثير من البشر.

*رؤية إخراجية

نجح المخرج في الدفع بالعديد من المقاربات والمعالجات الإخراجية للنص الذي يتصدى لقضايا متشابكة، واستطاع عبد الله الحمادي أن يمرر تلك العوالم من خلال توظيف جيد للكوميديا واللعب على فكرة الجنون نفسها، من حيث النقاش المبتور للرؤى التي يطرحها المجانين، وكذلك السرعة الرهيبة للممثلين في الانتقال من حالة إلى أخرى، وعملية التسليم والتسلم براعة كبيرة، حيث إن تلك السرعة نابعة من كون المؤدين يعبرون عن أفكار أطلقت بواسطة مجانين، واستعان المخرج كذلك بلوحات ديكورية تتحرك بواسطة الممثلين أنفسهم، ويبدو أن تلك العملية كانت مرهقة للممثلين الذين ظلوا يتحركون على الخشبة وهم يحملون تلك الأثقال، خاصة أن الحركة كانت مستمرة طول العرض الذي خلا من لحظات الصمت والسكون الحركي، ففي حين أن المخرج أطلق لهؤلاء المجانين حرية التعبير، إلا أنه قد اعتقلهم في تلك البراويز واللوحات، غير أن الأداء بصورة عامة جاء مميزاً واستطاع الممثلون أن يخلقوا علاقة مع الجمهور، لكن العرض عانى مشكلة على مستويات الصوت والإضاءة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mt2ymp87

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"