عادي

بعض الفن إثم

23:26 مساء
قراءة دقيقتين
1

إيمان الهاشمي

هناك... بغرورٍ فنيّ «بيتهوفني» في إحدى زوايا المقهى، دندنوا بعضاً من أجمل موسيقاه وألحانه، تجرَّعوا النميمة وخمور الغيبة، بأخلاقهم الدميمة وبذهاب الهيبة، ثملوا المنافسة غير الشريفة، وأدمنوا الافتراءات المخيفة، ثم قالوا نحن فنانون والفنون جنون، يا لوقاحتهم الواضحة! بعيداً عن سوء الظنون، لنتأكد نحنُ أن بعض الفن إثم!

تماماً كمن شَرَعَ بالافتراض والاعتراض والانفضاض والانقضاض، ثم لطم وجهه استياءً واحتجاجاً، قال: «كنَّ قوارير وكانت ألسنتهن زجاجاً، ولكنه عشق الشكوى، وإعادة قصة البلوى، مِراراً وتكراراً، إلى أن أصبح الحل مَراراً، فالحقيقة أن بعض الزَّن إثم أيضاً».

ومن هنا تبدأ قصتنا حول مَن حوَّل ظلامه إلى اللون الزهري، بعدما تعذَّب طويلاً من اضطراب الوسواس القهري، ومن قلة لقمة العيش وفقدان الراتب الشهري، فتكاثرت عليه الهموم والأسقام، وأصبح مهووساً بالأعداد والأرقام، وممسوساً بقصص الموت والأموات، في كل مكانٍ وفي جميع الأوقات، حتى إنه صَوَّر والدته ميتةً، وإن لم يُعلِّق صورتها حيةً، بل احتضن جمجمة بيتهوفن بيديه وقَبَّلها، ويُقال إن ذات القصة حدثت مع الملحن شوبرت قَبْلها، وهكذا أحرقته سياط الانتقادات وكثرة الإهانات، فانتفضت به الحياة وفاضت بالمعاناة، إلى أن انتهى به الأمر، بالخضوع لفعل الأمر، بين افعل ولا تفعل، وبين اقبل ولا تقبل، فبات قليل الثقة بنفسه ومتشككاً في أعماله، وفي الوقت نفسه كثير المثابرة وعظيماً بآماله.

ليس الغريب أنه لطالما ردّد الكلمات نفسها، الكلمة تلو الكلمة بلا سبب، ولا كيف كان يجتهد لإرضاء منتقديه جميعاً واحداً واحداً ولأي سبب، وإنما العجيب أنه عشق الفتيات المراهقات، ولعله فعل ذلك خشيةً من المخادعات المنافقات، ولكنه بالطبع قوبل بالرفض والازدراء دائماً، فعاش هائماً حائماً غائماً متشائماً، وهكذا لم يتزوج أبداً، وبالتالي أحب التعليم جداً، ثم ذاع صيته واشتهر بعد السيمفونية السابعة، التي لحَّنها نائماً فوق فرشته الواسعة، بينما كان حالماً مع مشاعره النابعة، من بطن أفكاره العبقرية الموسيقية النابغة، فاعتبر عمله هذا رداً على الاتهامات الفارغة!

في النهاية وكما هو الحال مع أي نهاية، توفي الموسيقار النمساوي أنطون بروكنر عن 72 عاماً لأسبابٍ طبيعية، ولكنه وبكل غرابة دُفن بطريقةٍ مختلفة وغير طبيعية، وذلك في الكنيسة تحت آلته الموسيقية المفضلة كما تمنى وطلب وشاء، مع تأكيده عليهم أن يتم تحنيط جثته كالمومياء.
الاسم: أنطون بروكنر
التاريخ:
1824 – 1896 –72 سنة
الجنسية: نمساوي
النشاط: موسيقي

الصورة
الصورة


 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rjmcktj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"