إيمان الهاشمي
رقصت 7 نوتات حكيمات فوق جرح بيانو أسود، ينزف يأساً من جبين السلم الموسيقي، نطقت النوتة الأولى بحكمتها الأولى: «متعة الأخيار في نشر الأمل، ومتعة الأشرار في حشر الألم»، ثم تناثر النغم على لسان النوتة الثانية لتقول: «التعلّم من الأخطاء لِذَّة، والتعلّم من الرقطاء أذى»، بعدها تنحنحت النوتة الثالثة قائلة: «المظلوم يرى الله في كل شيء، والظالم لا يرى الله في أي شيء»، فتأرجح اللحن من جوف الرابعة، لتخبرنا بأن «الصدق أوله عذاب وآخره راحة، والكذب أوله راحة وآخره عذاب»، بينما طفقت الخامسة تدندن: «لكل شيءٍ وجهان متناقضان، تماماً كالنار لها وجه مفيد وآخر مبيد»، في حين همست السادسة في آذاننا بلطف: «القلب المملوء بالحب لا يتسع للكره، والعقل المملوء بالعلم لا يتسع للجهل»، لتنتهي السابعة بحكمةٍ أخيرة «قد ينتصر الأشقياء ثم لا يفرحون، وقد يخسر الأتقياء ثم لا يحزنون»!
قصةٌ لا تُنسى، وُلدت في فرنسا، بين جذور العبقرية وبذور الجنون، وسط حدائق العظمة وحرائق الفنون، ولهذا لم يروا فيه ذرة هِبة، فطردوه لانعدام الموهبة، كان كسولاً لا يحب كثرة التدريب، رغم تعلّقه بالبيانو بشكلٍ غريب، وكان حديثه منمقاً، ومظهره بيروقراطياً أنيقاً، عَمِل كعازفٍ في «كافيه»، ثم لم يكسب منه ما يكفيه، وهكذا عاش وحيداً وماتت مشاعره منسية، رغم ولادته في الحقبة الرومانسية! كان الملحن الفرنسي إريك ساتي لا يأكل إلاّ الطعام الأبيض! ولا يمشي دون مطرقةٍ في يده! ولم يلحن حكايات نوتاته بصيغةٍ متسلسلة، وإنما أعاد المقطع مراراً وتكراراً بطريقةٍ منفصلة، لعله أراد أن يدرس النغمة من جميع الزوايا، دون اكتراثٍ لتفاصيل الحكاية، ولذلك كتب النوتات دون مقياسٍ زمني معدود، وكأنه يُخفي الزمن من الوجود، كما غيّر الأساسيات الموسيقية للكتابة، فأضاف بعض النّكات لإزالة الرَّتابة، أي عوضاً عن الإشارة بعلامة «أسرع» أو «أبطئ» في النوتة الخطية، وضع عباراتٍ بمعنى «تحلّى بالبصيرة» أو «انقع ذاتك» ليثير الجدل والسخرية، خاصة عند تسمية مقطوعاته بأسماء تهكمية مثل «من أجل كلب» و«موسيقى الأثاث» و«مقدمات مترهلة»! والعجيب أن أغلب المبتدئين والهواة يجيدون عزف ألحانه بسهولة.
في أيامه الأخيرة بات يحدّق في مرآته، يرصد ما تبقى من حياته، فاعتبروه مهرجاً، ولكنه أصبح منهجاً، وهنا لا بأس إن أضفنا فلسفة النوتة الثامنة: {خذوا الحكمة من ألحان المجانين*
الاسم: إريك ساتي
الجنسية:فرنسي
النشاط:موسيقي
