أهم القضايا المقترح معالجتها في «كوب 28»

21:28 مساء
قراءة 4 دقائق

د. جاسم المناعي *

يبدو أن المؤتمر القادم حول المناخ «كوب 28» والذي سيعقد في دولة الإمارات بدءاً من نهاية هذا الشهر نوفمبر/تشرين الأول وحتى يوم 12 من الشهر القادم ديسمبر/كانون الأول 2023 سيكون محط أنظار العالم، نظراً لتزايد أهمية التغييرات المناخية من جانب، ولتطلع العالم إلى تكاتف المجتمع الدولي لمواجهة هذه التغييرات بشكل عملي وسريع من ناحية أخرى.

على صعيد الدولة المضيفة فقد بذلت دولة الإمارات جهوداً كبيرة للتشاور والتنسيق المسبق مع الأطراف المعنية بهذا المؤتمر، كما استنفرت كافة الإمكانيات لتسهيل وضمان سير أعمال هذا الحدث بالشكل المطلوب. في المؤتمرات السابقة حول هذا الموضوع لم تكن النتائج في مستوى الطموحات ولا حتى على مستوى التحديات التي يفرضها هذا الأمر.

لذلك فإن الآمال هذه المرة معقودة على المؤتمر القادم لتحقيق نتائج مرجوّة وملموسة من شأنها التأكيد على عزم وجدية المجتمع الدولي في التصدي لمخاطر التغييرات المناخية.

وحسبما يبدو فإن الاهتمام في المؤتمر القادم سينصب على مجموعة من القضايا التي قد لا تكون جميعها مستجدة، ولكن كما يبدو لم يتم حسم أمرها في اللقاءات السابقة. من هذه القضايا العمل على ضبط ارتفاع درجة حرارة وسخونة الأرض في السنوات القادمة، والعمل على تخفيض الانبعاثات الكربونية وزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، وكذلك توفير التمويل للدول الفقيرة في مواجهتها للتغييرات المناخية، هذا بالإضافة إلى ضمان مشاركة جميع الأطراف المعنية بهذا الموضوع. ونظراً لأهمية مثل هذه المواضيع فقد تستحق منا في هذه المناسبة مزيداً من الشرح والتوضيح.

فيما يخص العمل على ضبط سخونة ودرجة حرارة الأرض ضمن حدود مقبولة، وذلك خلال السنوات القادمة، فقد سبق للأطراف المعنية بهذا المؤتمر من خلال لقاءاتهم السابقة، أن تمّ التفاهم على ضرورة ألّا تتعدى الزيادة في درجة حرارة الأرض عن 1.5 درجة ولتحقيق هذا الهدف تم التفاهم أيضاً على أهمية تخفيض الانبعاثات الكربونية بحوالي 40%، خلال الفترة حتى 2030. ولابد أن نشير في هذا الصدد إلى أن هناك تبايناً في الآراء بين الأطراف المعنية بهذا الموضوع حول التعامل مع مصادر الطاقة الأحفورية؛ حيث يرى البعض أنه من الضروري التخلص نهائياً من الاعتماد على هذه المصادر، وإن كان ذلك على فترة زمنية يمكن الاتفاق عليها، بينما ترى أطراف أخرى أنه من غير الواقعي الاستغناء نهائياً عن مصادر الوقود الأحفوري في المدى المنظور، ولكن يمكن الاتفاق على تخفيض درجة الاعتماد على هذه المصادر بشكل تدريجي، وتعويض ذلك بزيادة الاستثمار والاعتماد على مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، أما على صعيد تمويل جهود التصدي للتغيرات المناخية خاصة بالنسبة للدول الفقيرة، فقد سبق خلال اللقاءات السابقة أن اتفقت الأطراف المعنية على أمرين مهمين في هذا الشأن: الأمر الأول هو توفير 100 مليار دولار سنوياً للدول الفقيرة لمساعدتها في مواجهة التغيرات المناخية. إلا أنه وحسبما يبدو لم يتم حتى الآن الوفاء بمثل هذا التعهد. لذلك فإن أمام الاجتماع القادم في دولة الإمارات أهمية إقناع الأطراف المعنية بضرورة تحقيق إنجاز ملموس في هذا المجال. الأمر الثاني والذي تم أيضاً الاتفاق عليه في مجال توفير التمويل للدول الفقيرة هو إنشاء صندوق خاص بتمويل جهود هذه الدول في مجال مواجهة تبعات التغيرات المناخية. ويتطلع الجميع إلى المؤتمر القادم؛ لإحداث تقدم ملحوظ بشكل يمكن لهذا الصندوق مباشرة عملياته في وقت قريب.

فيما يتعلق بضمان مشاركة جميع الأطراف المعنية بتداعيات التغيرات المناخية فإن المسؤولين عن تنظيم المؤتمر القادم قد أكدوا في أكثر من مناسبة حرصهم على أن تشارك في هذا المؤتمر مختلف الجهات ذات العلاقة من قطاع عام وخاص، وقطاع المجتمع المدني وفئات الشباب وممثلي السكان الأصليين وكذلك ممثلي الأديان والعبادات، بالإضافة إلى شركات النفط والغاز. وقد أثير الجدل حول دعوة شركات النفط والغاز للمشاركة في هذا المؤتمر، خوفاً من أن يكون في ذلك نوع من تضارب المصالح؛ حيث يرى البعض أن تلوث المناخ نابع أصلاً من الوقود الأحفوري، الذي تنتجه هذه الشركات، فكيف يمكن الطلب من هذه الشركات التوقف عن إنتاج هذا الوقود للتصدي لتلوث المناخ؟!.

إلا أن هناك رأياً آخر يميل إلى الاعتقاد بأن إشراك هذه الشركات في هذا المؤتمر من شأنه أن يحملها جزءاً من المسؤولية؛ حيث إن مشاركتها تعني التزامها إلى حد ما بما يصدر عن الاجتماع من قرارات وتوجهات تختص بمعالجة تبعات التغيرات المناخية، خاصة الناتجة عن التلوث الصادر عن استخدامات الوقود الأحفوري. سنحاول في مقال لاحق التطرق بشكل أكثر تركيزاً على بعض القضايا التي تستقطب نوعاً من الإثارة والجدل حول هذا المؤتمر.

ومهما تعلق الأمر، سواء بموضوع التخلص أو التخفيض من الاعتماد على الوقود الأحفوري، أو تعلق الأمر بدعوة شركات النفط من عدمه، فإن موضوع المناخ هو أمر شائك في حد ذاته، ومن الطبيعي أن تتباين الآراء حول سبل وطرق معالجة تداعياته، إلا أنه من المهم ألّا يؤدي هذا التباين في الآراء إلى التأخر أو تأجيل التحرك الضروري لتفادي كثير من الكوارث المناخية؛ حيث وحسبما يبدو فإن العالم لم يعد اليوم يمتلك ترف إضاعة مزيد من الوقت دون العمل بشكل جاد وسريع على تجنب أو على الأقل التقليل من خطورة هذه الكوارث، التي قد لا تستثني أحداً، والتي ربما تقع في أي وقت ودون سابق إنذار.

* الرئيس السابق لصندوق النقد العربي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwsnpmup

عن الكاتب

​المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"