«كوب 28» فرصة تاريخية لا تعوض

22:20 مساء
قراءة 4 دقائق

استطراداً لما نشرناه خلال الأيام القليلة الماضية حول «كوب 28» الذي تستضيفه الإمارات حالياً وتم افتتاحه أمس، نود في هذا المقال متابعة هذا الموضوع مع التركيز بشكل أخص على بعض القضايا التي يثار حولها الجدل، والتي نعتقد بأنها لا يجب أن تثني من عزم وجهود القائمين على هذا المؤتمر في تحقيق النجاح المأمول لهذا الحدث.

ولابد في هذه المناسبة من التذكير بأن كوارث المناخ الأخيرة والمتتالية من زلازل وفيضانات وحرائق وأعاصير وارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة، تمثل مبررات غير قابلة للجدل حول ضرورة التحرك الجماعي والسريع للعمل على تجنب مزيد من هذه الكوارث التي قد تكون أكثر شراسة وأوسع تدميراً. صحيح أن مؤتمر المناخ «كوب 28» ليس هو الأول حول هذا الموضوع لكن وكما نعلم فإن المؤتمرات السابقة وحتى الآن لم يكن لها حسبما يبدو وقع مؤثر في حجم التحديات التي يفرضها موضوع المناخ.

ويمكن القول بأن التحضيرات الجارية للمؤتمر تبدو مشجعة، حيث تم مؤخراً في أبوظبي من خلال الاجتماع الخامس للجنة الانتقالية المعنية بموضوع صندوق الخسائر والأضرار، إحراز تقدم مهم في مجال تفعيل هذا الصندوق وترتيبات تمويله وسوف يتم عرض نتائج اللجنة على هذا المؤتمر لاعتمادها بشكل نهائي.

من هذا المنطلق نعتقد بأن مؤتمر المناخ كوب 28 والذي ينعقد في دولة الإمارات، يمثل فرصة لا تعوض لتحقيق نتائج عملية وفعالة وملموسة في مواجهة ما يفرضه المناخ من تحديات. وحتى يتمكن المجتمع الدولي من تحقيق مثل هذه النتائج ينبغي أولاً تجنب الانخراط في مجادلات عقيمة من شأنها أن تضعف من العمل المشترك ولا تحقق الهدف المنشود. ونود في هذا المجال أن نتطرق إلى بعض هذه القضايا الجدلية التي كثر الحديث عنها مؤخراً، والتي حسبما نعتقد لا تخدم هدف التصدي المشترك لمشاكل المناخ بقدر ما قد تضعف من أي تكتل دولي مطلوب من شأنه أن يشكل جبهة موحدة قادرة على تحقيق نتائج مرغوبة في هذا المجال.

أولى هذه القضايا الجدلية التي لا ينبغي أن تعرقل جهود هذا المؤتمر، هي المناداة بالاستغناء عن مصادر الطاقة الأحفورية مثل النفط والغاز، بدلاً من الاتفاق على تخفيض الاعتماد عليها تدريجياً. عملياً، فإن الاستغناء عن مصادر الطاقة الأحفورية في المدى المنظور هو أمر غير واقعي حيث إن الوقود الأحفوري بما يشمل البترول والغاز والفحم يشكل حوالي 80% من مصادر الطاقة التي يعتمد عليها العالم.

لذلك فإن الاعتقاد بإمكانية الاستغناء نهائياً عن هذه المصادر لا يبدو ممكناً إن لم يكن مستحيلاً. كذالك فإن معظم شعوب العالم بما فيها الصين والهند وبقية الدول النامية لا تؤيد الاستغناء نهائياً عن الوقود الأحفوري. وحتى بالنسبة لمجموعة الدول الغربية التي تنادي بالاستغناء عن الوقود الأحفوري فإن حججها في الواقع تبدو ضعيفة يوماً عن يوم. فالتطورات السياسية الأخيرة في دول هذه المجموعة وبخاصة في السويد وإيطاليا وفنلندا وألمانيا وهولندا وإسبانيا ومؤخراً في لكسمبورغ ونيوزيلندا قد تنعكس في شكل تراجع سياساتها تجاه المناخ بشكل عام وتجاه مصادر الطاقة الأحفورية بشكل خاص.

القضية الأخرى التي يثار الجدل حولها والتي هي أيضاً لا تمثل حجة يعتد بها ترتبط بالتساؤل كيف لدولة نفطية أن تترأس مؤتمر المناخ بحجة أن النفط هو المصدر الرئيسي لتلوث المناخ؟ في الواقع ولهذا السبب بالذات فإن استعداد دولة نفطية للمشاركة واستضافة هذا المؤتمر يمثل موقفاً إيجابياً من هذه الدولة، حيث من ناحية يعبر عن اهتمامها وحرصها على كل ما يؤثر في المناخ، كما يعبر من ناحية أخرى وبشكل صريح عن استعدادها لاتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة للمشاركة في معالجة مشاكل المناخ بما فيها استعدادها للموافقة على تخفيض الاعتماد التدريجي على مصادر الطاقة الأحفورية مثل النفط والغاز وإن كان يمثل بالنسبة لهذه الدولة أهم مصادر الدخل والنمو والتنمية. وتمتد هذه الحجة إلى أن هذه الدولة تخطط للتوسع في إنتاج البترول والغاز حيث رصدت لهذا الغرض حوالي 150 مليار دولار. أولاً ينبغي أن نتفهم بأن الاستثمارات في قطاع النفط والغاز هي حتى الآن أقل بكثير من المطلوب لضمان توفر كميات كافية من النفط والغاز تتناسب مع حجم الطلب المتوقع. والاتجاه الحالي لأسعار النفط يؤكد بأنه إذا لم يتم ضمان زيادة المعروض من النفط والغاز فإن الاتجاه التصاعدي لأسعار النفط من شأنه التأثير سلبياً في وضع الاقتصاد العالمي وفي وضع المستهلك في جميع دول العالم.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن ما رصدته الإمارات لضمان توفير كميات كافية من النفط والغاز لا يمثل أكثر من نصف استثماراتها في مجال مصادر الطاقة المتجددة والمقدر بحوالي 300 مليار دولار.

لهذه الأسباب نعتقد بأنه من غير المجدي إضاعة الوقت في مجادلات بيزنطية من شأنها شق الصف وإضعاف الجهود المطلوبة أصلاً لضمان الوصول لنتائج يتطلع إليها العالم على صعيد هذا المؤتمر. إن دولة الإمارات قد سعت وقامت بدور مهم وكبير في الإعداد الجيد لهذا المؤتمر كما حرصت على تهيئة الأرضية المناسبة لنجاح أعمال هذا الحدث.

يبقى على الأطراف الأخرى أن تقوم بدور إيجابي مماثل إذا أردنا أن نجعل من هذه المناسبة فرصة تاريخية مميزة لتكتل دول العالم في مواجهة التغيرات المناخية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4hb9fehs

عن الكاتب

​المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"