شراء فقاعة منفجرة

21:47 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان*

يعد الشراء في واحدة من أكبر انفجارات الفقاعات في التاريخ أمراً شجاعاً وربما ذكياً، ولكنه، مثل كل صدمات السوق، محفوفٌ بالمخاطر عند التقلبات.

فبعد ثلاث سنوات من انخفاض أسعار السندات العالمية، وما نتج عن ذلك من ارتفاع في العائدات التي تتحرك عكسياً معها، لم تظهر سوى القليل من علامات التراجع عن الوضع الراهن، وكل ذلك يحدث في بعض أكثر الديون السيادية «أماناً» على وجه الأرض.

وجميع الأسباب موثقة وواضحة بشكل لا لُبس فيه: تضخم مرتفع، وأسواق عمل ضيقة، وارتفاع معدلات الفائدة، وتفكيك مخزونات سندات البنك المركزي، فضلاً عن العجز الحكومي والديون المرتفعة تاريخياً. يمكن القول إن سوق السندات الصاعدة منذ 40 عاماً، وهي فقاعة بطيئة التضخم، قد أوشكت على الانهيار.

إن حجم الانخفاض في العديد من صناديق سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل على مدى السنوات الثلاث الماضية أمرٌ مثير للاهتمام، فقد بلغ انهيار الأسعار أكثر من 50% اعتباراً من ذروة الجائحة في عام 2020، ناهيك عن عمليات التخارج الضخمة من أسهم مؤشر «ستاندرد آند بورز» منذ فقاعة ال «دوت كوم» وحتى الانهيار المصرفي قبل 15 عاماً.

وعلى الرغم من ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية القياسية إلى 5% وأكثر للمرة الأولى منذ نحو 17 عاماً، قبل أن تتراجع قليلاً، أظهرت الاستطلاعات أن المستثمرين ما زالوا يلجؤون إلى شراء السندات، تماماً كما فعلوا خلال الكثير من فترات التخبطات المستمرة طيلة الأشهر الستة الماضية، والتي شهدت تراكم العوائد لأجل 10 سنوات عند ما يقرب من 175 نقطة أساس اعتباراً من مارس/آذار.

وأظهر استطلاع رأي مديري الصناديق الشهري الذي يجريه «بنك أوف أمريكا» أن المستثمرين العالميين زادوا صافي مخصصاتهم من السندات مرة أخرى في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمقدار نقطتين مئويتين، وهو الشهر السادس على التوالي الذي يشهد مركزاً صافياً لزيادة الوزن بانحرافين معياريين فوق المتوسطات طويلة الأجل. فهل هذه مجرد أموال جيدة بعد السيئة، واستمرار لما يبدو الآن وكأنه مؤشر متناقض رهيب؟

ربما من اللافت معرفة أن المرة الأخيرة التي احتفظت فيها الصناديق بمثل هذا الوزن الزائد على السندات لفترة طويلة كانت خلال الانهيار المصرفي وركود 2008، آنذاك كانت العائدات قريبة من مستوياتها الحالية، وفعّل الاحتياطي الفيدرالي سياسة التيسير الكمي التي كدست ميزانيته العمومية بسندات الخزانة الحكومية.

وعلى هذا النحو، ربما تشهد الصناديق ببساطة ذروة طبيعية، مع احتمال أن يؤدي تشديد البنك المركزي المتأرجح في نهاية المطاف إلى تباطؤ اقتصادي، إن لم يكن ركوداً، حيث من المؤكد أن ضغوط ديون الشركات والأسر تتبع أزمة الائتمان.

لا شك في أن فقاعات السندات وانفجاراتها، على الأقل بالنسبة للصناديق السيادية ذات التصنيف الأعلى، لا تشبه نظيراتها من الأسهم، حتى ولو بدا أن أداءها على المدى القريب يقلدها. وتوسيع رقعة الضوء المسلط على عالم السندات إلى ما هو أبعد من السيادية قد يكون لعبة مختلفة تماماً، مع إضافة كل الجوانب الأكثر خطورة المتمثلة في عجز الشركات عن سداد الديون.

إلى ذلك، يُظهر مؤشر «بلومبيرغ ملتيفيرس» الذي يتتبع ديون الحكومات العالمية والأوراق المالية ذات العائد الثابت وديون الشركات، أن العائدات الإجمالية المتداولة لمدة 12 شهراً، والتي تجمع بين السعر والدخل، عادت إيجابية مرة أخرى، بعد أن أمضت أكثر من عامين قويين في المنطقة الحمراء. وارتفع العائد الضمني على المؤشر إلى أكثر من الضعف في 18 شهراً فقط ليصل إلى 4.65%، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2008.

وبالنسبة للمستثمرين ذوي الدخل الصافي، أو صناديق التقاعد والتأمين التي تفي بالالتزامات، فإن هذه تعتبر أخباراً جيدة بعد سنوات عجاف من العائدات التي تقل عن 2%، أو تقترب من الصفر، أو ربما أقل على بعض الديون السيادية. لكن بالنسبة لصناديق السندات التي تتمنى تحسن أداء الأسعار على المدى القصير، فإن الوضع يبدو كارثياً.

يقول أوليفييه دافان من شركة «ريسك بريميوم إنفست» الاستشارية، إن نموذجه الخاص ب «علاوة مخاطر الشراء والاحتفاظ» يشير إلى أن حوالي 90 نقطة أساس من الارتفاع البالغ 106 نقاط أساس في عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات منذ منتصف العام قد انخفض إلى هذا العامل، مع 16 نقطة أساس فقط مرتبطة بالمزيد من التسعير الجامح لأسعار الفائدة طويلة الأجل.

ووفقاً لحساباته، فإن هذه العلاوة في السندات لأجل 10 سنوات أعلى من أي وقت مضى منذ التسعينات بأكثر من 100 نقطة أساس، ويرجع ذلك بشكل مختلف إلى ديناميكيات عرض الديون التي لا يمكن التنبؤ بها، والجغرافيا السياسية، وعدم اليقين بشأن المكان الذي سيُسمح فيه للتضخم بالاستقرار، والخوف المتبقي من سنوات عديدة من الارتباط بين الأسهم والسندات.

في الحقيقة، مع وجود مثل هذا المتغير سريع الزوال، فإن اختيار تحول دائم عن سوق السندات المتعثرة لن يكون بالأمر السهل. وفي سياق بيئة «أسعار الفائدة الأعلى ولفترة أطول»، من الصعب أن تكون لدينا رؤية واضحة وحازمة بشأن سلوك هذه السوق الرئيسية خلال الأشهر المقبلة، وبالتأكيد لا يمكن أن نستبعد حدوث ارتفاع كبير آخر في أسعار الفائدة الطويلة الأجل.

*محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2n6wpk68

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"