ضغوط الهجرة الأمريكية

22:36 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان*

مع تلاشي مخاوف الركود في الولايات المتحدة، وعودة الأسواق المالية إلى مسارها التصاعدي، مرة أخرى، تلعب موجة الهجرة دوراً رئيسياً، وربما مثبطاً، للتضخم.

ومن المحتمل أن يكون هذا الملف واحداً من أهم القضايا الساخنة في انتخابات البيت الأبيض المقبلة، حيث دفعت المراجعات التصاعدية لتقديرات الهجرة الأمريكية، الاقتصاديين والمستثمرين إلى إعادة التفكير في التوقعات الاقتصادية، والتضخم مرة أخرى.

صحيح أن توقعات النمو الأعلى، والتخفيف المحتمل لاختناقات عرض العمالة، قد تجلب معها بعض الراحة المحتملة للاقتصاد، لكن التقديرات الجديدة لأعداد المهاجرين تزيد أيضاً من حدة نتيجة انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، ومن الواضح أن الرئيس جو بايدن، ومنافسه المحتمل، دونالد ترامب، على خلاف حول كيفية التعامل مع هذه القضية.

وفي توقعاته الاقتصادية والمالية طويلة المدى الشهر الفائت، أشار مكتب الميزانية التابع للكونغرس الأمريكي إلى أن ارتفاع صافي الهجرة هو المسؤول الرئيسي عن زيادة متوقعة قدرها 5.2 مليون شخص في القوى العاملة على مدى السنوات العشر المقبلة، ما يضيف نحو 7 تريليونات دولار إلى الناتج الاقتصادي، وتريليون دولار إلى الإيرادات الضريبية.

واعتمدت هيئة الموازنة غير الحزبية توقعاتها الديموغرافية لمدة 30 عاماً في يناير/ كانون الثاني، حيث راجعت تقديراتها لصافي الهجرة مقارنة بالعام السابق، بنحو 8.3 مليون شخص للسنوات المقبلة، حتى عام 2026.

وبحسب التغييرات، تعتقد الهيئة الآن، أن إجمالي القوى العاملة سيكون أكبر بنسبة 2.6% في عام 2053، وهو ما افترضته قبل عام واحد فقط. وبما أن انخفاض معدلات الخصوبة كان سيؤدي إلى انخفاض عدد الموظفين المحليين، فمن المحتمل الآن أن يمثل صافي الهجرة كل النمو السكاني المتوقع اعتباراً من عام 2040، فصاعداً.

وفي الوقت الذي يتباحث فيه السياسيون حول أسباب هذه القفزة في أعداد المهاجرين، وإلى أين ستنتهي، فإن التأثيرات الاقتصادية الناتجة أمر في غاية الأهمية. وقد لفت الاقتصاديان في معهد بروكينغز، ويندي إيدلبيرغ وتارا واتسون، إلى أن مراجعات مكتب الميزانية في الكونغرس، التي تظهر 3.3 مليون مهاجر العام الماضي، مقارنة بمليون مهاجر متوقع قبل الوباء، يمكن أن تساعد على تفسير القوة المفاجئة للإنفاق الاستهلاكي والنمو الإجمالي منذ 2022. وبأن الأرقام الجديدة تعني أيضاً أن سوق العمل قد يكون أكثر سخونة مما كان يعتقد سابقاً، من دون زيادة ضغوط الأجور والتضخم.

وقدّر الخبيران أن نمو التوظيف المستدام سيتراوح بين 160 و200 ألف موظف في هذا العام، أي ما يقرب من ضعف المستوى المستدام الذي كان سيحدث في غياب الارتفاع في الهجرة، وفقاً لتوقعات ما قبل الوباء.

وأيدت ذلك إلين زينتنر، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في بنك «مورغان ستانلي»، وتعتقد أن مكاسب الرواتب التي تبلغ نحو 200 ألف شهرياً تتوافق الآن مع معدل البطالة من دون تغيير. وكتبت: «تشير البيانات الجديدة لعام 2023 إلى أنه يمكننا إضافة الهجرة كتفسير للنمو وتراجع التضخم بشكل أسرع من المتوقع العام الماضي، ما يزيد احتمالية النمو الأسرع في السنوات المقبلة».

إن الصورة المعاد رسمها لها تداعيات واضحة على مباحثات بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن سعر الفائدة، وكذلك على المستثمرين الذين يقيسون ذلك، كما أن لها تأثيراً مهماً في النمو المستدام وعوائد الاستثمار بعيدة المدى.

وبحسب خبراء الاقتصاد في «جيه بي مورغان»، أظهر مكتب الميزانية في الكونغرس، أن صافي هجرة المواطنين الأجانب سيقترب من المعايير التاريخية بعد عام 2026. لكنهم اعترفوا في المقابل، بأن الزيادة الأخيرة في الأعداد تغذي توسعاً أكبر وأسرع في القوى العاملة، حتى لو لم يتم منح جميع المهاجرين تصريح عمل فورياً.

وهذا ما يرفع توقعات النمو الاقتصادي للمكتب إلى متوسط 2.0% سنوياً، على مدار العقد، من 1.9% المسجلة سابقاً، مع زيادة المعروض من العمالة، الأمر الذي يسمح باستمرار تراجع التضخم من دون إعاقة النمو.

وقد يؤدي النمو الاقتصادي المحتمل المرتفع إلى استقرار التضخم عند نحو 2.2% بعد عام 2026، حيث يبدو أن توقعات التضخم على المدى الطويل في الأسواق المالية تتخثر. كما سيؤدي أيضاً لرفع العائد على رأس المال، لأنه من المتوقع أن تصل عوائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات إلى نحو 4.1% بحلول عام 2034.

لكن فريق «جيه بي مورغان» اعترض على بعض التوقعات طويلة المدى لمكتب الميزانية في الكونغرس، خصوصاً في ما يتعلق بتوقعات الإنتاجية والبطالة. ويعتقد المكتب أن افتراضات نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة للغاية، ويرجع ذلك جزئياً إلى احتمال تمديد تخفيض الضرائب. وعلى الرغم من تحسن النمو على المدى الطويل، فإن مخاوفهم بشأن تراكم الديون الحكومية، لا تزال قائمة.

وكتبوا: «السؤال ليس ما إذا كانت الولايات المتحدة ستواجه لحظة استجواب بشأن الدين الحكومي، بل متى سيحدث ذلك، وإلى أي مدى سيكون التعديل الضروري مؤلماً».

ما يبدو واضحاً الآن هو أن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن ملف الهجرة قد تكون كبيرة. فقد تضمنت مقترحات ميزانية 2025 التي قدمها جو بايدن، مؤخراً، طلبه الذي لم تتم تلبيته العام الماضي، للحصول على 13.6 مليار دولار من أموال الطوارئ لإنفاذ القانون على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. بدوره، كرر ترامب مواقفه المتشددة في ولايته السابقة، ووعد باتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة غير الشرعية، وتقييد القانونية منها، إذا تم انتخابه.

* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/33heb9hv

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"