رأس المال الأجنبي في الصين

21:55 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان*

على الرغم من عدم اليقين والفوضى التي تسبغ بعض مفاصل الاقتصاد الصيني، أضف إلى ذلك التوترات السياسية العالمية السائدة، فإن خروج رأس المال الأجنبي الطويل الأجل من ثاني أكبر اقتصاد في العالم أمرٌ يستدعي الوقوف عنده.
بخلاف أنها لم تتمكن من تحقيق انتعاش قوي بعد «كوفيد-19» هذا العام، تسببت الأزمة العميقة في سوق العقارات الصينية، ومخاطر ديون الحكومات المحلية، وتباطؤ النمو العالمي، بضعف كبير في أداء الأسواق في البر الرئيسي. ضعف فاقمه المناخ الجيوسياسي المتقلب الذي زرع شكوكاً كبيرة حول كل من التنظيم المحلي والتوجه الاستراتيجي للبلاد.
وفي ضوء ذلك، يسعى المستثمرون يائسين للاحتفاظ بحضورهم في اقتصاد عملاق، متعطشين للتقييمات «الرخيصة» في سوق عالمية باهظة الثمن نسبياً، مع الترويج لجاذبيتها والتنبؤ بنقاط التحول الإيجابية. لكن خروج هؤلاء المستثمرين، من أصحاب النفس الطويل عادة، يرسم صورة أكثر إثارة للقلق، ويشير إلى مخاوف متأصلة.
ووفقاً لمسح أجراه «المنتدى الرسمي للمؤسسات النقدية والمالية»، وهي مؤسسة عالمية فكرية مستقلة للمصارف المركزية وصناديق التقاعد والمؤسسات المالية، شمل 22 صندوقاً عاماً للمعاشات التقاعدية والثروة السيادية تدير أصولاً بقيمة 4.3 تريليون دولار، لم يكن هناك توقعات إيجابية للاقتصاد الصيني أو عوائد أعلى نسبياً، كما أشار 75% من المشاركين إلى اللوائح التنظيمية باعتبارها عوامل ردع رئيسية.
وتفضيلاً للتركيز على المحافظ الاستثمارية المقاومة للتضخم على مدى العامين المقبلين، من خلال الاستثمارات في البنية الأساسية أو الأصول الخضراء، يخطط ما يقرب من ثلث هذه الصناديق العملاقة لزيادة مخصصاتها في أوروبا وأمريكا الشمالية، مع رغبة ضئيلة أو معدومة في تعزيز حيازاتها داخل الأسواق الناشئة بشكل عام.
وفي ظل التركيز الكبير على الاستثمارات الخضراء والتحول في مجال الطاقة، فإن هذا النفور من الأسواق الناشئة يبدو متعارضاً مع المخاوف المناخية. ولكن مدى التوترات السياسية والاقتصادية هذا لا يعكس سوى علامات أخرى تشير إلى خروج الاستثمارات الأجنبية الطويلة الأمد من الصين بما يتجاوز تدفقات المحافظ الاستثمارية.
وبالفعل، سجلت الصين مؤخراً أول عجز ربع سنوي على الإطلاق في الاستثمار الأجنبي المباشر، (نحو 11.8 مليار دولار)، وذلك منذ أن بدأت هيئة تنظيم الصرف الأجنبي بجمع البيانات عام 1998، ما يشير إلى ضغوط تدفق رأس المال إلى الخارج. وهو ما مثل دليلاً واضحاً على التأثير السلبي الذي تخلفه استراتيجيات الغرب في الحد من المخاطر على ثاني أكبر اقتصاد عالمي.
ويعكس هذا الرقم تعليقات صدرت في وقت سابق من هذا العام عن وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو، زعمت، بعد زيارة إلى بكين في أغسطس/ آب الماضي، أن العديد من الشركات الأمريكية تعتقد الآن أن الصين «مكان غير قابل للاستثمار».
بدوره أشار نيكولاس لاردي من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن، إلى أن البيانات تشير ضمناً إلى أن الشركات الأجنبية في الصين لا ترفض إعادة استثمار أرباحها فحسب، بل تبيع، ولأول مرة، صافياً كبيراً من أصولها الحالية إلى شركات محلية.
وقدر لاردي التدفقات الخارجة بأكثر من 100 مليار دولار في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023. وقال إن تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ في سان فرانسيسكو الشهر الماضي أن الحداثة الصينية توفر فرصة هائلة للعالم لن يفعل الكثير لإنعاش صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تمتعت به البلاد لأكثر من أربعة عقود. معتبراً أن الأمر سيستغرق أكثر من مجرد كلمات لتحقيق هذا الهدف.
علاوة على ذلك، فإن النفور من الاستثمارات الصينية لعدة سنوات يهدد بالتصادم مع ديناميكيات النمو الاقتصادي الطويلة الأجل المتدهورة أساساً، والتي تفاقمت بفعل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والتركيبة السكانية الصعبة. أما فيما يخص الاقتصاد الدائري على المدى القريب والأصول الرخيصة فهناك علامات استفهام قائمة.في السياق ذاته، وعلى الرغم من بعض التحديثات الأخيرة لتوقعات النمو في الصين، أثار مسح حديث آخر للأعمال زوبعة سلبية من التكهنات، إذ انكمش نشاط قطاع التصنيع في الصين للشهر الثاني على التوالي في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، وبوتيرة أسرع، ما يشير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التحفيز لاستعادة الثقة. ما يجدد النقاش حول مستوى الدعم الحكومي المطلوب، وما الذي يمكن أن تفعله بكين لوضع حد لتدهور سوق العقارات. ومع ذلك، وكما يشير الخبراء الاستراتيجيون في بنك «مورغان ستانلي»، فإنه قد لا يكون هناك حل سريع وواضح للانهيار العقاري الحاصل في الصين.
وقال البنك: «لا يوجد طريق سهل للخروج من معضلة الإسكان، أو أي أزمة تقليص الديون. ولا بد من الاعتراف بالخسائر، وإعادة هيكلة الديون المعدومة، وقد تكون هناك حاجة إلى دعم جديد للأسهم أو عمليات إنقاذ، للحد من نطاق الأضرار الجانبية.
إن عدم اليقين بشأن العلاقات الأمريكية الصينية من أهم أسباب انسحاب العديد من الشركات الأمريكية، ورأس المال الأجنبي من الصين، وتغيير ذلك قد يستغرق سنوات من الإقناع والعمل في بيئة إيجابية خصبة عموماً».
* متخصص في الاقتصاد العالمي ومحرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2t7ty3xe

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"