دليل الفائدة المضلل

22:06 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان *

بات هوس تخمين التواريخ الدقيقة لأول خفض لأسعار الفائدة من البنك المركزي هذا العام، لعبة غير مجدية على نحو متزايد بالنسبة للكثير من المستثمرين. وفي أفق السندات الآجلة لعامين أو أكثر، فإن مدى دورة هذا الانخفاض أكثر أهمية من التوقيت ذاته.

وبعد عامين من تشديد معايير الاقتراض الائتماني، أشارت أخيراً البنوك المركزية الرئيسية الثلاثة، الاحتياطي الفيدرالي، والمركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، إلى أن الأمر بلغ ذروته.

ومردداً تصريحات البنك المركزي الأوروبي، كان رئيس الفيدرالي جيروم باول واضحاً جداً بالقول: «من المرجح أن سعر الفائدة لدينا وصل إلى ذروته، وسيكون مناسباً بدء التراجع عن ضبط النفس في السياسة في وقت ما من هذا العام». وفي خطوة غير معتادة، خفّض باول رهانات السوق على تراجع سعر الفائدة في شهر مارس/ آذار، لافتاً إلى أن التيسير لا يزال مطروحاً على الطاولة.

بدوره استخدم أندرو بيلي، نظير باول في بنك إنجلترا، عبارات مختلفة أفضت لنفس الشيء تقريباً، على الرغم من أنه رفض بوضوح الاحتجاج على المضاربات الحاصلة في السوق. وقال بيلي: «إلى أي درجة يجب علينا أن نكون مقيدين، وكم سنبقى على هذه الحال؟».

في غضون ذلك، تستعد أسواق المال الآن لخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في إبريل/ نيسان، وقد سعّرت نفسها أيضاً لأول تحرك من الاحتياطي الفيدرالي في مايو/ أيار، وكذلك من بنك إنجلترا في يونيو/ حزيران. لكن قد يتم تعديل هذه التواريخ عدة مرات على مدى الأسابيع المقبلة، خاصة أن التصريحات الرسمية، الواثقة ظاهرياً، تُخفي في طياتها انقسامات داخلية بين صناع القرار السياسي.

وعلى سبيل المثال، انقسم واضعو أسعار الفائدة في بنك إنجلترا الأسبوع الماضي حول ما يجب القيام به للمرة الأولى منذ 16 عاماً، فصوّت عضو واحد لصالح خفض الأسعار، واثنان لرفعها، مقابل خمسة أصوات أيدوا بقاءها ثابتة.

وربما يكون اختلاف توقعات سعر الفائدة بالنسبة لصناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي واسعاً أيضاً كما كان عليه منذ عقد من الزمن. كما يناقش الصقور والحمائم داخل أروقة البنك المركزي الأوروبي ذلك شفهياً بشكل يومي.

ومن المؤكد أن بدء المضاربات في السوق بشأن توقيت التخفيضات الأولى للفائدة قد ظهرت قبل عدة أشهر. ولكن الأمر أصبح هاجساً يومياً الآن، لا بل في كل ساعة. كيف لا، والفائدة تعد شريان حياة التداولات في السوق على المدى القصير، وتستهدف دوماً تسعيراً دقيقاً في الوقت المناسب لتحولات كلفة المال أو قيم العملات النسبية. وهي أمرٌ مهم كذلك للاقتصاد الأوسع إلى الحد الذي تواجه فيه الشركات أو الأسر مواعيد نهائية لإعادة التمويل في وقت مبكر من هذا العام أو سداد الديون الوشيكة.

وبالتالي، فإن محافظي البنوك المركزية، الذين يدركون تماماً كيف ضربت قراراتهم الاقتصاد، يهتمون أيضاً بالتوقيت الدقيق لأنه يساعدهم على تأكيد الثقة النسبية بالحفاظ على معدل التضخم المستهدف عند 2%، وربما تهدئة تسويات الأجور القادمة، أو المساعدة في منع حدوث انفجارات سابقة لأوانها في الإقراض المصرفي.

أما بالنسبة للمستثمرين في السندات الأطول أجلاً فالأمر مختلف نوعاً ما، لأن ذروة دورة سعر الفائدة واحتمال خفض الأسعار في المستقبل يجعل توقيت التحركات الأولى أو الثانية غير ذي صلة إلى حد بعيد. فما يهمهم هو حجم ومدى هذا التيسير لا توقيته.

وعلى الرغم من تخفيض باول رهانات السوق على تراجع سعر الفائدة في مارس، فإن المدى الكامل للتيسير المسعّر في الأسواق لعام 2024 ارتفع بالفعل بمقدار 15 نقطة أساس إلى 145 نقطة مؤخراً. والخطوة التالية من الفيدرالي ستكون التخفيض، و200 نقطة أساس إلى 3.37% هي الحد الأدنى المعقول في هذه الدورة. ومع ذلك، ستظل أسعار الفائدة لدى البنك عند ضعف متوسط 20 عاماً ونحو 90 نقطة أساس أعلى مما يعتبره صناع السياسة النقدية محايداً، وبالتالي لا يزال «مقيداً» بلغة المركزي.

في المقابل، يعتقد الاستراتيجيون أنه استناداً إلى متوسط علاوة لنصف قرن على عوائد سندات الخزانة لأجل عامين فوق أسعار الفائدة الفيدرالية البالغة نحو 30 نقطة أساس، فإن العائدات الحالية، التي لا تزال عند نحو. 434%، تقدم قيمة جيدة بغض النظر عن الوقت المحدد للتخفيضات الفردية.

وأكد محللو بنك «مورغان ستانلي»، هذه الفكرة بالقول إن مناقشة خفض أسعار الفائدة في مارس أصبحت الآن بمثابة «دليل مضلل» لمستثمري السندات طويلة الأجل، وأن العناوين الرئيسية حول خفض مارس، أو التوقيت الأولي بشكل عام، لها عواقب محدودة تتجاوز تسعير عقود أموال الاحتياطي الفيدرالي لاجتماع مارس، مفضلين المراكز في سندات الخزانة لمدة خمس سنوات.

واستناداً إلى الافتراض غير المثير للجدل بأن التيسير الكمي قد بدأ الآن، فإن الشهر المحدد لأول خفض لأسعار الفائدة لم يعد يحدث فرقاً كبيراً ربما بالنسبة للمستثمرين بشكل عام.

* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5hbzwj8e

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"