تطـور الحـرب منذ 1945 إلى أوكرانيا

يتناول صراعات العصابات في إفريقيا وأمريكا الجنوبية
23:44 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
خلال الحرب في سراييفو 1992
1
القوات الأمريكية في العراق

عن المؤلف

الصورة
1
ديفيد بتريوس - وأندرو روبرتس
ديفيد بتريوس جنرال متقاعد في الجيش الأمريكي. شغل منصب مدير وكالة المخابرات المركزية، ومناصب أكاديمية في ست جامعات.
***
أندرو روبرتس كاتب سير ومؤرخ، من كتبه: تشرشل: المشي مع القدر، ونابليون: حياة، والأساتذة والقادة، . وهو عضو في جمعية تشرشل الدولية
  • السلام ضرورة حتمية للحفاظ على استدامة الحياة على هذا الكوكبكان الأمل بعد

تأليف:  ديفيد بتريوس وأندرو روبرتس

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

على الرغم من مرور سبعة عقود على نهاية الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، فإن مفهوم السلام العالمي والتخلي عن الحروب كوسيلة لحل النزاعات يظل هشاً. فالحروب والنزاعات جزء من واقع العالم المعيش، ما يعكس تعقيدات السياسة والاقتصاد والثقافة العالمية. يتعمق كتاب «الصراع.. تطور الحرب منذ 1945 إلى أوكرانيا» في أكثر من 70 عاماً من الصراعات التي شهدها العالم، وصولاً إلى الصراعات الجارية.
يستكشف الجنرال ديفيد بتريوس الذي قاد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان ومدير وكالة المخابرات المركزية السابق مع المؤرخ أندرو روبرتس، أكثر من 70 عاماً من الصراع، ويقدمان رؤى مهمة من تحليلهما الجديد للماضي. يوضح بتريوس وروبرتس عدد المرات التي تتكرر فيها الأخطاء الجسيمة، والتحدي الذي يواجهه رجال الدولة والجنرالات على حد سواء، المتمثل في تعلم كيفية التعامل مع الأحداث، وكيفية التكيف مع مختلف أنظمة الأسلحة الجديدة والنظريات والاستراتيجيات.
يركز الكتاب الصادر عن دار هاربر للنشر في أكتوبر 2023 باللغة الإنجليزية ضمن 544 صفحة، على عدد من الصراعات، من بينها الحروب العربية الإسرائيلية، وحروب كوريا وفيتنام، وحربا الخليج، وحروب البلقان في يوغوسلافيا السابقة، والحروب السوفيتية وحروب التحالف في أفغانستان، وكذلك صراعات العصابات في إفريقيا وأمريكا الجنوبية. كما يتطرقان إلى الحرب في أوكرانيا، ويناقشان النتائج المأساوية عندما يرفض القادة التعلم من التاريخ، وتقييم طبيعة الحرب المستقبلية.
تناقش الفصول الثمانية الأولى من هذا الكتاب تطور الحروب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويحلل الفصل التاسع الحرب الروسية-الأوكرانية، ويسلط الضوء على المجالات التي يمكن أن توفر أدلة حول شكل الحروب المستقبلية. ثم يأخذ الفصل العاشر الدروس من تجربة أوكرانيا والفصول السابقة بخصوص ما يمكن توقعه في حروب القرن الواحد والعشرين. يركز المؤلفان على سيناريوهات المستقبل من خلال التقنيات العسكرية الحديثة، ويسلطان الضوء على الأدوار الحاسمة التي تلعبها القيادة والتدريب، ويتطرقان أيضاً إلى الروح المعنوية، وبناء التحالفات، والعقيدة، وأهمية الضباط ذوي الاحترافية العالية، وأهمية المنافسة في مجال جمع واستخدام المعلومات.
الحروب كسياسة بوسائل أخرى
في الساعات الأولى من يوم الخميس، الموافق 24 فبراير 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجمات سريعة ومدمرة على مدينة كييف ونقاط أخرى في أوكرانيا، بهدف الإطاحة بحكومتها. على الرغم من تطور الصراع العسكري بشكل كبير منذ عام 1945، كما يتناول هذا الكتاب، لكن بوتين اختار بشكل معنوي شن هذه الهجمات على طريقة الحروب العالمية السابقة، ما أدى إلى عواقب مدمرة على أوكرانيا وروسيا.
يهدف هذا الكتاب إلى وضع تحركات بوتين في أوكرانيا وأساليبه في المواجهة ضمن سياقها التاريخي الصحيح، ولكنه يحمل أهدافاً أكبر من ذلك، إذ يسعى لاستعراض كيفية تعلم الجيوش في مختلف أنحاء العالم، أو فشلها في التعلم، من خلال تجارب الحروب السابقة عند تصميم وسائل القتال اللازمة لمواجهة الحروب المستقبلية، ويبحث أيضاً في الصفات الشخصية المطلوبة للقيادة الاستراتيجية الناجحة.
لا يقدّم هذا الكتاب تاريخاً شاملاً لجميع الصراعات منذ عام 1945، بدلاً من ذلك، يركز فقط على الصراعات التي أسهمت في تطور استراتيجيات الحرب. ولا يعد هذا العمل وصفة علاجية للمشكلات السياسية أو أسباب اندلاع الحروب، بل يركز على الأحداث التي تجري على أرض المعركة بعد اندلاع النزاع والتطورات التكتيكية، مثل استخدام أسلحة جديدة أو تحولات في التكتيكات العسكرية. كما لا يتعامل مع سلسلة من الهجمات الأقل خطورة التي غالباً ما تكون نزاعات محلية.
يشير المؤلفان إلى أهمية دراسة الحروب وتطوراتها، ويعلقان على ذلك: «فيلسوف الحرب البروسي كارل فون كلاوزفيتز وصف الحرب بأنها (سياسة بوسائل أخرى)، ومنذ عام 1945 لم تنتهِ الحروب، بل ظلت مستمرة في مكان مختلف وجديد في العالم سنوياً. شهد القرن العشرون أحداثاً وحروباً وحشية، حيث قُدّر أن عدد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم بشكل عنيف في النصف الأول من القرن العشرين كان أعلى بكثير من القرون السابقة. بالنسبة إلى القرن الحادي والعشرين، في غضون شهر واحد من غزو أوكرانيا، خسرت روسيا عدداً من العسكريين مضاعفاً لعدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق خلال عقدين. وبحلول مارس (آذار)2023، تشير التقديرات إلى أن عدد القتلى الروس قد وصل إلى خمسة أضعاف عدد الجنود السوفيتيين الذين قتلوا بعد عقدين في أفغانستان».
أساليب القيادة الاستراتيجية
يبين المؤلفان أن المفاهيم الاستراتيجية منذ الحرب العالمية الثانية تطورت بشكل أسرع من أي فترة مماثلة في التاريخ. وكان القائد في تلك الحرب يستخدم في الأساس نفس الهياكل، الفيلق والفرق والأفــواج والكتائب، التي استخدمهـــا نابليـــون في أوائل القرن التاسع عشر (وإن كان ذلك مع إضافة قدر أكبر بكثير من القدرة على الحركة والمدفعية وغيرها من النيران غير المباشرة والقوة الجوية). ولكن منذ ذلك الحين، تطورت الحرب بوتيرة مذهلة، خاصة على مدى العقدين الماضيين، ويحدد هذا الكتاب كيف ولماذا حدثت تغييرات حاسمة، إضافة إلى التطورات الدراماتيكية المتوقعة في العقود المقبلة.
يقول المؤلفان: «في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، أدركنا أن هناك القليل جداً من الأدبيات التي يمكن أن تضعه في سياق تاريخه العسكري، على الرغم من وجود أعمال رصينة في كثير من الأحيان في سياقاتها السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية. وبينما تمضي الدول في تطوير أسلحة دقيقة وذكية بكلفة عالية، اختار الروس عمداً العودة إلى حرب عالمية جديدة، وفي أجزاء من دونباس، إلى أسلوب القتال على غرار الحرب العالمية الأولى. مع تطور الاستراتيجية والتكتيكات العسكرية بشكل كبير منذ عام 1945، حيث يقدم كل صراع دروساً للصراع التالي بطرق متنوعة في فصول الكتاب، نتساءل: ما الذي يمكن أن يفسر قرار روسيا بخوض حرب ارتدادية تذكرنا بالحرب الوطنية العظمى؟ هل روسيا هي المعتدي وليس الضحية؟»
يجيب المؤلفان: «لقد فازت روسيا بمجد لا يمكن تشويهه في عام 1945، لأنها قدمت محيطات من الدماء اللازمة لتخليص العالم من شر النازية. فمن بين كل خمسة جنود قُتلوا أثناء قتال ألمانيا النازية في ساحات القتال في الحرب العالمية الثانية، مات أربعة على الجبهة الشرقية. ومع ذلك، منذ عام 1945، ظلت روسيا تستنفد رصيدها في تلك الخدمة العظيمة للإنسانية، لم تكن هناك فترة أفضل من حرب الرئيس بوتين غير المبرر والمتهور والمروع في أوكرانيا، في مدى استكشافنا لتطور الحرب عبر سياقات جغرافية وسياسية متنوعة وباستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة منذ وفاة أدولف هتلر. نهدف إلى التأكيد على تراجع محير يظهر في الصراع الروسي الأوكراني الحالي. الحرب هي عملية ديناميكية، متغيرة باستمرار، ولا ينبغي أن تصبح ركيزة. ومع ذلك، من الواضح أنها يمكن أن تعود بشكل مفاجئ ومروع إلى أشكال عدوانية وحشية».
يقدم المؤلفان في كل فصل أمثلة عن كيف يمكن للقيادة الاستراتيجية الناجحة، عندما تتم بشكل جيد، أن تحول حتى المواقف الأكثر خطورة إلى الأفضل. ومع ذلك، عندما تفشل، فإنها يمكن أن تحول النصر المحتمل إلى هزيمة مؤكدة. يرى المؤلفان أنه يجب أن يكون القادة، وبعضهم سياسيون في هذا الكتاب وبعضهم الآخر جنود، قادرين على إتقان أربع مهام رئيسية: أولاً، يحتاجون إلى فهم شامل للوضع الاستراتيجي العام في الصراع وصياغة النهج الاستراتيجي المناسب؛ في جوهره، للحصول على الأفكار الكبيرة بشكل صحيح. ثانياً، يجب عليهم توصيل تلك الأفكار الكبيرة والاستراتيجية بشكل فعال عبر اتساع وعمق مؤسستهم وإلى جميع أصحاب المصلحة الآخرين. ثالثاً، يحتاجون إلى الإشراف على تنفيذ الأفكار الكبيرة، ودفع تنفيذ خطة الحملة بلا هوادة وإصرار. وأخيراً، يتعين عليهم تحديد كيفية تحسين الأفكار الكبيرة وتكييفها وتعزيزها، حتى يتمكنوا من أداء المهام الثلاث الأولى مراراً وتكراراً.

الصورة
1


حلم السلام العالمي
في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، كانت المعاناة فظيعة للغاية، حيث قُتل ما يصل إلى 60 مليون شخص، حتى نشأ حلم بأنه قد يكون هناك سلام على الأرض. وقد تكرس هذا الأمل من خلال النهاية الواضحة للقومية المتطرفة ومولد الأمم المتحدة، التي نص ميثاقها التأسيسي على أنها تأمل في «إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب» من خلال ضمان أن الدول «سوف تمارس التسامح وتعيش معاً في ظل السلام».. وقّع ما يقرب من مليون شخص على سجل «مواطني العالم» وتعهدوا بإلغاء الحرب من خلال إلغاء الدول وإنشاء الولايات المتحدة العالمية. وفي سياق مماثل من المثالية، وفي غضون شهر من استسلام اليابان، ألغى الرئيس ترومان مكتب الخدمات الاستراتيجية، (سبقت وكالة المخابرات المركزية في عملها).
يقول المؤلفان: «وبعد محاكمات نورمبرغ، التي ركزت لوائح الاتهام فيها على كبار النازيين لشنهم حرباً عدوانية أكثر من تركيزها على المحرقة، كان أمل البشرية هو التخلي عن الغزوات والحروب كوسيلة لحل النزاعات الدولية. إن الصرخة العالمية «لن يحدث ذلك مرة أخرى أبداً» تنطبق على ممارسات غزو البلدان بقدر ما تنطبق على الجرائم الوحشية التي ارتكبت في الحقبة النازية. لقد كانت نبيلة بقدر ما كانت ساذجة. بدأت فترة ما بعد الحرب مباشرة بشكل جيد في ما يتعلق بالحرب الفعلية عبر الحدود، على الرغم من أن التقسيم البريطاني لفترة شبه القارة الهندية في عام 1947 وفلسطين الانتدابية في عام 1948 كان يتضمن صراعات حادة ومؤلمة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. وبالمثل، أدت الحرب الأهلية الصينية إلى استقلال فورموزا (تايوان الحديثة) والتي لا تزال نقطة عالمية قابلة للاشتعال. ربما لم تشهد أواخر الأربعينات غزوات فعلية عبر الحدود، لكنها زرعت بذور الاستياء والتوترات المتفاقمة التي قد تشتعل حتى اليوم في صراع مفتوح. وعلى حد تعبير البريطاني السير هنري ماين في القرن التاسع عشر: «تبدو الحرب قديمة قدم البشرية، ولكن السلام اختراع حديث». وحتى بعد مرور قرنين من ملاحظته، يظل السلام اختراعاً لا يزال يعاني مشاكل في مرحلة ظهوره.
ويضيف المؤلفان: «كان التهديد بالإبادة النووية أقوى بكثير من أحلام السلام في منع الغزوات عبر الحدود في أواخر الأربعينات، على الأقل بمجرد اختبار الاتحاد السوفيتي أول قنبلة نووية في موقع سيميبالاتينسك في كازاخستان في 29 أغسطس 1949. وبحلول نهاية الحرب الباردة الأولى، كانت الولايات المتحدة قد أجرت 1032 تجربة نووية، بينما أجرى الاتحاد السوفيتي 715 تجربة نووية أخرى. وأُجري أكثر من نصف التجارب السوفيتية في سيميبالاتينسك، حيث تركت عواقب وخيمة على السكان المحليين في الأجيال المقبلة، بما في ذلك ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان والعيوب الوراثية والتشوهات الخلقية. بعد التاسع والعشرين من أغسطس 1949، واجه العالم للمرة الأولى احتمالاً حقيقياً للتدمير المتبادل المؤكد. فقد غير نظام «ماد» الحرب الباردة، لأنه، على حد تعبير أحد المؤرخين العسكريين بإيجاز: «إن الحرب الشاملة بين الدول التي تمتلك [الأسلحة الذرية والنووية] تحمل خطر الانتحار الكامل، الأمر الذي فرض حداً جديداً أعلى لعقلانية القوة». وقد عبر هنري كيسنجر، أحد المنظرين الأوائل في الاستراتيجية النووية، عن الأمر بعبارات قاتمة بالقدر نفسه، عندما كتب أنه «بعد وقت قصير من هيروشيما وناغازاكي، أصبحت مخاطر نشر الأسلحة النووية لا تُحصى، وانفصلت المخاطر عن العواقب». وفي ضوء ذلك، أصبحت الاستراتيجية الأمريكية المهيمنة هي استراتيجية الردع، وهو ما وصفه كيسنجر بأنه «استراتيجية نفسية ذات أهداف سلبية».
يؤكد هذا الكتاب أن الحلم بالسلام لا يزال محوراً مهماً للبشرية، وعلى الرغم من التحديات والصراعات، يجب أن نستمر في العمل من أجل تعزيز الفهم المتبادل وبناء الجسور بين الثقافات والدول، وأن السلام ليس مجرد غاية نبيلة، بل هو ضرورة حتمية للحفاظ على استدامة الحياة على هذا الكوكب. يجب أن نسعى جميعاً إلى تحقيق هذا الحلم، حتى يمكن لأجيال المستقبل أن تعيش في عالم يخلو من ويلات الحروب والتدمير.

عن المؤلفين:

ديفيد بتريوس جنرال متقاعد في الجيش الأمريكي. شغل منصب مدير وكالة المخابرات المركزية، ومناصب أكاديمية في ست جامعات.
***
أندرو روبرتس كاتب سير ومؤرخ، من كتبه: تشرشل: المشي مع القدر، ونابليون: حياة، والأساتذة والقادة، . وهو عضو في جمعية تشرشل الدولية
 

الصورة
1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/234v3jvm

كتب مشابهة

1
ريتشارد يونغز
1
ريتشارد سيمور

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
كلير فيرغيريو
1
أفشون أوستوفار
1
هربرت ريموند مكماستر
1
جوزيبي بلاشي وروب غودمان
1
بيل أوريلي ومارتن دوجارد
1
أديوالي ماجا بيرس