الإمبراطوريات الرقمية

الصراع العالمي من أجل الحوكمة التكنولوجية
23:00 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
مناقشة مخاطر المنصات

عن المؤلف

الصورة
آنو برادفورد
آنو برادفورد هي أستاذة القانون والمنظمات الدولية في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، وهي أيضاً مديرة مركز الدراسات القانونية الأوروبية في كولومبيا، وباحثة أولى في معهد جيروم أ. تشازن للأعمال العالمية في كلية كولومبيا للأعمال.
  • المنتصر في المعركة من أجل النفوذ العالمي لا يزال غير مؤكد

تأليف: آنو برادفورد
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
في ظل التصاعد المستمر لصراع السلطة العالمية بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي في عصر التكنولوجيا المتقدمة، يقدم كتاب «الإمبراطوريات الرقمية» تحليلاً عميقاً لهذا التنافس المحموم بين شركات التكنولوجيا، ويسلط الضوء على تأثيره في مستقبل الحريات والديمقراطية. يعرض الكتاب رؤية حول ضرورة اتخاذ قرارات ذكية لتسخير التكنولوجيا في خدمة مستقبل المجتمعات البشرية.

في عالم يحكمه المجال الرقمي على نحو متزايد، يتمتع عدد صغير من عمالقة التكنولوجيا الآن بثروة كبيرة ونفوذ سياسي، ما يعرض خصوصية البيانات للخطر، ويؤدي إلى تفاقم اللامساواة الاقتصادية، بالتالي خلق إشكالات ومظالم سياسية. واستجابة لهذه المخاوف، يفكر القادة في جميع أنحاء العالم في الحاجة إلى كبح جماح عمالقة التكنولوجيا. تشرح آنو برادفورد هذا الصراع المعقد على السلطة العالمية بمهارة. وتتجلى خبرتها في جميع أنحاء الكتاب، بناءً على عملها السابق «تأثير بروكسل»، الذي تم الاعتراف به كأحد أفضل الكتب لعام 2020 من جانب مجلة «فورين أفيرز».
تتعمق برادفورد في الفروق الدقيقة بين ثلاثة أساليب تنظيمية متميزة: النموذج الأمريكي الذي تقوده السوق، والنموذج الصيني الذي تقوده الدولة، والنموذج التنظيمي الأوروبي الذي تقوده الحقوق. تستكشف المؤلفة الصراعات المعقدة التي تنشأ عندما تتلاقى هذه الفلسفات التنظيمية على المسرح العالمي. وفي حين أن المنتصر في هذه المعركة من أجل النفوذ العالمي لا يزال غير مؤكد، فإن الاستراتيجيات المتناقضة لهذه الإمبراطوريات الرقمية أصبحت واضحة على نحو كبير. يكشف الكتاب عن الاختيارات التي يجب علينا اتخاذها، ويفكك رموز القوى التي تشكل هذه الاختيارات، ويسلط الضوء على العواقب الوخيمة التي يتحملها جميع الأفراد الذين يتعاملون مع التقنيات الرقمية. يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء.

خلال استجواب أعضاء من مجلس الشيوخ للرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ


الحرية «المكتشفة حديثاً»
تشير المؤلفة إلى أنه في عصر التسويق التجاري للإنترنت على نطاق واسع خلال التسعينات، ظهر وعد بالحرية «المكتشفة حديثاً»، وهي الحرية التي من شأنها تمكين الأفراد من الوصول إلى المعلومات، والتعبير عن أصواتهم، والمشاركة في مناقشات هادفة، والتأثير في نسيج المجتمع ذاته. كان لدى رواد الإنترنت الأوائل رؤية للمنصات عبر الإنترنت باعتبارها تحرس وتوسّع هذه الحريات، وتعزّز الديمقراطية من خلال تقديم منصة شاملة لمناصرة الأصوات المتنوعة في جميع أنحاء العالم. واليوم، أصبح هذا الوعد المتفائل بالتكنولوجيا حقيقة واقعة إلى حد كبير: فقد عملت شبكة الإنترنت بالفعل على إضفاء الطابع الديمقراطي في الوصول إلى المحتوى، ووسعت بشكل كبير قدرتنا على استهلاك ونشر مجموعة من البيانات. وفي هذه العملية، أعادت هذه التكنولوجيا تشكيل علاقتنا بالمعلومات ومع بعضنا بعضاً بشكل أساسي. وقد أدت هذه الطفرة في الوصول إلى المعلومات والمحادثات إلى إعادة تعريف جوهر التجربة الإنسانية، ما جلب فوائد لا يمكن إنكارها للأفراد والمجتمعات على حد سواء.
ومع ذلك، إلى جانب هذه الفوائد العديدة، أدخل الإنترنت أيضاً تغييرات تركت تأثيرات ضارة في المجتمعات وحياة الأفراد. وفي حين عزز الإنترنت الروابط الإنسانية والمشاركة المدنية، فقد كان في الوقت نفسه بمثابة قناة لتعريض قطاعات واسعة من المجتمع لأشكال مختلفة من المحتوى الضار. تعمل منصات الإنترنت في كثير من الأحيان بمثابة أرض خصبة للتضليل، والتسلط، وخطاب الكراهية، والمواد البغيضة، ما يقوض سلامة الأفراد وكرامتهم، ويزرع بذور الانقسامات وزعزعة استقرار الديمقراطيات. فقد أدت الخوارزميات المصممة لتناسب تفضيلات المستخدم الفردية إلى تغذية الاستقطاب والتشرذم، وتعزيز الأفكار المتطرفة وزيادة تآكل التماسك المجتمعي. فبدلاً من الاكتفاء بتوسيع نطاق الحرية، وإثراء الديمقراطية، ورعاية مجتمع قائم على المساواة والشمول، أُسيء استخدام الإنترنت بشكل متكرر لتقليص هذه القيم، ما أدى إلى نشوء نظام بيئي تزدهر فيه رأسمالية المراقبة وتتعمق الانقسامات المجتمعية.
تؤكد المؤلفة أن «معالجة الأضرار التي يواجهها الأفراد والمجتمعات بسبب الإنترنت ليست سوى جانب واحد من تحدي الحوكمة الأوسع الذي يواجهه المنظمون في العالم الرقمي اليوم. لقد أدى التحول الرقمي إلى اقتصاد شديد التركيز، حيث تتمتع حفنة من الشركات القوية بثروة هائلة ونفوذ سياسي، ما يحد من المنافسة ويؤدي إلى تفاقم التفاوتات في المشهد الرقمي».
مخاوف عالمية متعددة
ترى الكاتبة أن إلقاء نظرة على هذا التاريخ الحديث يكشف أن قوة هذه الشركات تبدو أقوى وأكثر تركيزاً مع نضوج الصناعة، لا سيما في ظل وجود قيود قليلة واضحة على كيفية ممارسة هذه القوة. وتشير إلى أن تركيز القوة الاقتصادية والسياسية والثقافية داخل مجموعة صغيرة من عمالقة التكنولوجيا يثير العديد من المخاوف:
أولاً، تسيطر هذه الشركات على حصة كبيرة من ثروات القطاع، ما يمكنها من الاستحواذ على أي منافس يهدد هيمنتها على السوق. ثانياً، يمنحها نفوذها الاقتصادي نفوذاً سياسياً يمكن تسخيره للضغط من أجل فرض لوائح تنظيمية تزيد من قبضتها على السلطة. ثالثاً، تسيطر هذه الشركات نفسها بشكل متزايد على الخطاب العام من خلال الإشراف على المحتوى على المنصات التي تجري فيها الحوارات المجتمعية، بما في ذلك الخطاب السياسي. وهذا يسمح لها بممارسة السلطة على البنى التحتية عبر الإنترنت للديمقراطية والخطاب العام. رابعاً، تتحكم هذه الشركات في الكثير من البيانات الشخصية التي يولدها كل مستخدم على أساس يومي، والتي لديها كل الحوافز لاستخراجها لتحقيق مكاسب. تمنحهم مخازن البيانات هذه السلطة على المستخدمين الفرديين.
وتعلق المؤلفة: «إن التأثير التراكمي لهذه الأبعاد المختلفة للسلطة، هو جعل هذه الشركات مركزية في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحديثة. والسلطة المخولة لهذه الشركات هائلة إلى الحد الذي يجعلها تتنافس على نحو متزايد مع السلطة التي تمارسها الدول القومية، وهي الظاهرة التي أثارت مخاوف كبيرة بين الحكومات في مختلف أنحاء العالم. وبسبب هذا التراكم للسلطة، أصبحت القرارات التي تتخذها شركات التكنولوجيا بشأن كيفية ممارسة نفوذها أكثر أهمية وإثارة للجدل، وتطرح أسئلة مهمة حول كيفية تشكيل المجتمعات وحياة الأفراد من خلال هذه القوة المتعددة الأوجه. على سبيل المثال، عندما تقوم شركات التكنولوجيا بتعديل المحتوى على منصاتها، فإنها تواجه تحديات كبيرة في السعي للحد من الخطاب الضار دون قمع حرية التعبير. من المؤكد أن هذه الشركات تخطئ باستمرار في جهودها الرامية إلى تحقيق هذا التوازن، سواء في الفشل في تقييد الخطاب الضار في بعض الحالات أو في فرض الرقابة على الخطاب الذي يحمل قيمة عامة في حالات أخرى. وعلى الرغم من جهودها لإزالة المحتوى الضار، فإن المنصات الكبرى، مثل فيسبوك ويوتيوب وتويتر، تفيض بمحتوى يبعث على الكراهية والخطورة واللاقانونية في كثير من الأحيان. ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه المنصات لا تزال تستضيف الدعاية الإرهابية والعنف البغيض في كثير من الأحيان».
تقدم المؤلفة عدداً من الأمثلة في هذا السياق: «في عام 2019، قام الجاني الذي نفذ مذبحة بدافع الكراهية ضد خمسين شخصاً في مسجد بمدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا، ببث عمليات القتل على الهواء مباشرة على فيسبوك. وحظيت هذه المأساة بعدد كبير من المشاهدات على موقع فيسبوك ومختلف المنصات الأخرى على الإنترنت، حيث أعيد تشغيل اللقطات بينما كانت الشركات تكافح من أجل إزالة النسخ المختلفة من الفيديو التي تظهر على الإنترنت. من ناحية أخرى، هناك العديد من الأمثلة حيث كانت جهود إزالة المحتوى التي تبذلها المنصات مفرطة الحماس. وفي عام 2011، أزال موقع يوتيوب مقطع فيديو لصبي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً قُتل في الحرب بسوريا، وذلك وفقاً لسياسته التي تحظر عرض «الجثث». وكانت صورة جثة الصبي صادمة. لكن الصورة كانت تهدف إلى الصدمة. تم نشر الفيديو لإيقاظ المجتمع الدولي بشأن أهوال الحرب المستمرة، على أمل إثارة إدانة عالمية للنظام السوري. ولكن كما تكشف هذه الأمثلة، فإن رسم خطوط فاصلة بين الكلام المسموح به وغير المسموح به بطرق مقبولة اجتماعياً أمر بالغ الصعوبة. ومع ذلك، على الرغم من الطبيعة الدقيقة للإشراف على المحتوى، فقد تنازلت العديد من الهيئات التنظيمية الحكومية إلى حد كبير عن هذه الأنواع من القرارات للمنصات نفسها».

أغلقت تويتر صفحة ترامب نهائياً بسبب خطر المزيد من التحريض على العنف


المراقبة الرقمية وتأثيرها في السياسة
توضّح الكاتبة أنه إضافة إلى النتائج المعيبة الناتجة عن الإشراف على المحتوى، فإن الأساليب المستخدمة في الإشراف على المحتوى يمكن أن تكون مثيرة للقلق أيضاً. كما ترى أن هناك سبباً آخر يدعو للقلق بشأن تركيز السلطة بين عدد قليل من شركات التكنولوجيا يتعلق بجمعها لبيانات المستخدم كجزء من نموذج أعمالها وتأثير جمع تلك البيانات في خصوصية المستخدم. وتصف «رأسمالية المراقبة» هذه كيف تقوم شركات التكنولوجيا باستخراج بيانات ضخمة عن الحياة الخاصة لمستخدميها، وتسويق تلك المعلومات من خلال الإعلانات المستهدفة، ما يهدد حقوق هؤلاء الأشخاص في الخصوصية وتقرير المصير الفردي. وفي أسوأ الأحوال، يمكن تسخير البيانات الشخصية للمستخدمين لخدمة أهداف تجارية وسياسية. واتضح ذلك خلال فضيحة كامبريدج أناليتيكا، حيث حصلت شركة استشارات سياسية بريطانية على بيانات خاصة لمستخدمي فيسبوك واستخدمتها في الحملات السياسية. وفي هذه الحالة، تم نشر البيانات الخاصة لمستخدمي الإنترنت بهدف التأثير في الانتخابات لصالح ترامب. هذه المحاولة أو أي محاولة مماثلة للتلاعب بالناخبين تعرض للخطر خصوصية الأفراد في اتخاذ القرار وتقوض ثقتهم بالديمقراطية.
تقول الكاتبة: «مستخدمو الإنترنت ليسوا فقط عرضة للمراقبة من قبل شركات التكنولوجيا الخاصة، ولكن أيضاً للمراقبة الرقمية من قبل الحكومات التي تعتمد على شركات التكنولوجيا وأدواتها الرقمية، لتعزيز أمنها القومي أو أهداف إنفاذ القانون. إن مراقبة الحكومة الصينية لمواطنيها، بما في ذلك نشرها لتكنولوجيا التعرف إلى الوجه، بعيدة المدى بشكل خاص. تم بالفعل تركيب مئات الملايين من كاميرات المراقبة في جميع أنحاء الصين، حيث يمكن للحكومة الآن مطابقة لقطات الفيديو مع البيانات الشخصية التي يتم جمعها في مكان آخر، وتحديد الأفراد في الوقت الحقيقي، وربما التنبؤ بالمقاومة السياسية أو حتى منعها قبل حدوثها. لقد أطلقت الحكومة برامج مراقبة «شاملة، متكاملة تماماً، تعمل دائماً ويمكن السيطرة عليها بالكامل». ولا يقتصر الأمر على الصين التي تستخدم الإنترنت كأداة للمراقبة، بل إن الحكومات الديمقراطية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تقوم أيضاً بعمليات مراقبة واسعة النطاق، كما كشف إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية، كجزء من التسريب غير المسبوق لبيانات حساسة للمخابرات الأمريكية في عام 2013. وكشفت تلك التسريبات التي نشرها سنودن كيف شاركت وكالة الأمن القومي في مراقبة جماعية للأفراد من خلال جمع البيانات المتاحة عبر فيسبوك. وفي غياب الرقابة المناسبة، فمن المغري والممكن لأي حكومة أن تستخدم قدرات المراقبة التي تتمتع بها شركات التكنولوجيا لتعزيز أهدافها السياسية أو أهداف الأمن القومي، حتى عندما تقوض هذه المراقبة الحريات المدنية للأفراد».
وقد تضخمت العديد من هذه المخاوف الآن مع التقدم السريع في الذكاء الاصطناعي، وتضيف الكاتبة في هذا السياق: «إن ابتكارات ما يسمى بتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية، على وجه الخصوص، لديها القدرة على إحداث ثورة في الطريقة التي نعمل بها ونتفاعل مع المعلومات ومع بعضنا بعضاً. وفي أفضل الأحوال، سيسمح الذكاء الاصطناعي التوليدي للبشر بالوصول إلى حدود جديدة من المعرفة والإنتاجية، ما يؤدي إلى مستويات غير مسبوقة من النمو الاقتصادي والتقدم المجتمعي. وفي الوقت نفسه، فإن وتيرة تطوير الذكاء الاصطناعي تثير قلق خبراء التكنولوجيا والمواطنين والجهات التنظيمية على حد سواء. يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بالفعل لتشغيل المراقبة الخاصة والحكومية والتلاعب بالسلوك البشري، لكن هذه الأنشطة يمكن أن تصل الآن إلى آفاق جديدة باستخدام مجموعات بيانات تدريب أكبر وأدوات آلية أكثر تطوراً. هناك مخاوف متزايدة من أن هذه التقنيات ستوفر أدوات قوية للجهات الفاعلة السيئة لاستغلال الأشخاص والاحتيال عليهم أو ارتكاب أعمال غير قانونية أخرى.
وحتى المتحمسون للتكنولوجيا يصدرون الآن تحذيرات حول الكيفية التي قد يؤدي بها الذكاء الاصطناعي غير المنظم إلى العديد من الأضرار الأخرى التي لا يمكن السيطرة عليها، ما يشكل تهديدات خطيرة للأفراد والمجتمعات. .

عن المؤلفة:

* آنو برادفورد هي أستاذة القانون والمنظمات الدولية في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، وهي أيضاً مديرة مركز الدراسات القانونية الأوروبية في كولومبيا، وباحثة أولى في معهد جيروم أ. تشازن للأعمال العالمية في كلية كولومبيا للأعمال.

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/2p9jwn5a

كتب مشابهة

1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي
1
ديفيد بتريوس - وأندرو روبرتس
1
إيريكا لونيرجان و شون دبليو لونيرجان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث