عادي

التلوث.. إفساد في الأرض

00:45 صباحا
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

يعتقد بعض الناس أن حماية البيئة من التلوث مجرد سلوك لو فعله الإنسان أضفى على شخصيته مسحة حضارية، وإذا لم يفعله ليس محلاً للعقاب أو اللوم، أو أن الشرع لم يقرر عقوبات لمن يضر بالمناخ، وهذا التوصيف غير صحيح، فالإنسان في نظر الشريعة الإسلامية أفضل مخلوقات الله في الوعي والإدراك، وأكد عدد من علماء الشريعة أن «التلوث».. إفساد في الأرض، لذلك كانت العقوبات التي تنص عليها قوانين حماية البيئة في عالمنا العربي شرعية ينبغي تطبيقها.

يوضح د. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، أن حماية البيئة من التلوث لم تعد مظهراً من مظاهر الرقي والتحضر التي تحث عليها الشريعة الإسلامية فحسب، بل من الواجبات الشرعية المنوطة بالإنسان، باعتباره مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن حماية نعم الله والارتقاء بها بقدر طاقته وجهده، مشدداً على أن اهتمام الإسلام بحياة الإنسان وصحته البدنية والنفسية كان واضحاً، ولن يتحقق ذلك إلا إذا عاش في بيئة جميلة ونظيفة خالية من الملوثات، وأحاطت به مظاهر الجمال والإبداع الإلهي والإنساني، ومن هنا كانت التعاليم والأحكام الإسلامية في رعاية البيئة وإصلاحها وحمايتها من الملوثات أوامر إلهية، وتوجيهات نبوية كريمة يجب على المسلمين أن ينفذوها بمقتضى إسلامهم، وبحكم إيمانهم، فليس الإيمان بالتمني ولا بالادعاء، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، كما قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا».

د. محمد مختار جمعة

ويقول د.جمعة: «تلويث البيئة من الإفساد الذي نهى الله عنه في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قوله تعالى: «وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا»، ومنه قوله تعالى: «وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ»، ومن ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإماطة الأذى عن الطريق، ومن هنا كانت العقوبات التي تنص عليها قوانين حماية البيئة في عالمنا العربي شرعية ينبغي تطبيقها، ولذلك يوجب الشرع عقاب ملوث البيئة بالعقوبة التعزيرية التي تتناسب مع حجم فساده».

ويرى د.جمعة أن مخاطر التعدي على البيئة تعددت وتطورت وتسارعت على نحو ينذر بخطر داهم على الإنسانية، وأن ما يترتب على هذه المخاطر من ضرر إنما هو متعدٍّ لا يقف عند حدود مرتكبيه أو دولهم أو أقاليمهم، إنما يتجاوزهم إلى نطاق أوسع ربما يؤثر في الكرة الأرضية كلها وفي البشرية جمعاء، ولذلك لا سبيل لمواجهة هذا التلوث إلا بتعاون دولي فعال وتشريعات تلزم كل دول العالم باتخاذ الإجراءات التي تحمي البيئة من التلوث.

ويؤكد د.عبدالله النجار، العميد السابق لكلية الدراسات العليا بالأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، مدى اهتمام الشريعة الإسلامية بكل ما يرتقي بحياة الناس، وحمايتهم من كل ما يضر بصحتهم أو عقولهم أو ممتلكاتهم.. ويقول: «حماية البيئة من التلوث من الضرورات الحياتية الواجبة بعد أن ثبت أن التلوث البيئي يقتل الملايين كل عام حول العالم، ويلحق الضرر بصحة الأحياء، كما يهدر نعم الله وخيراته الكثيرة والمتنوعة، ويحرمنا من الاستفادة الحقيقية منها، ولذلك فالتوصيف الشرعي الآن لتلويث البيئة يختلف عنه في العصور السابقة، حيث لم يكن التلوث بهذه البشاعة التي هو عليها الآن، كما لم تكن له تداعيات خطيرة كالتي نراها ونسمع ونقرأ عنها في هذا العصر».

د. عبدالله النجار

ويوضح د.النجار أن الشريعة الإسلامية لم تهمل شيئاً فيه مصلحة حقيقية للإنسان ويؤدي إلى الارتقاء بحياته، أو توفير مقومات الحياة الكريمة له.. كما أنها لم تهمل سلوكاً للإنسان مفيداً كان أوضاراً، فمن فعل خيراً يجز به، ومن فعل سوءاً كان له عاقبة ذلك، والذي وضع هذه القاعدة هو الخالق العادل سبحانه وتعالى الذي يكافئ المحسن ويجزي المسيء «وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا».

ويقول د. محمود الصاوي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر: «لا شك في أن حماية البيئة من التلوث والفساد، هدف تسعى إليه تعاليم الإسلام التي رسمت للإنسان علاقة مثالية بكل عناصر الكون، حتى يستفيد منها أقصى استفادة، ويوظفها لتحقيق مصالحه، ويعيش حياة طيبة خالية من الأمراض والأوبئة».

د. محمود الصاوي

ويقول: «الإسلام سبق كل الحضارات الحديثة في العناية بالبيئة، والارتقاء بها، والإحسان إليها، وحمايتها من ألوان الفساد وأشكال التلوث، وما نشاهده الآن في بلاد المسلمين من فساد وتلوث بيئي هو أكبر عصيان وتمرد على تعاليم الإسلام وآدابه وتوجيهاته وأخلاقياته، فالشريعة الإسلامية تأمر الإنسان بالمحافظة على البيئة، وتحرم عليه تلويثها وإفسادها، لأن الله خلقها من أجله وسخرها لخدمته ومنفعته، والذي يتدبر الآيات القرآنية من قوله تعالى: «وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ» إلى قوله تعالى: «وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» من الآية 5 حتى الآية 14 من سورة النحل يدرك تماماً أن الكون مسخر بأمر الله للإنسان، فيجب عليه أن يحافظ على نظافته ونظامه الدقيق البديع الذي خلقه الله عليه».

ويضيف: «لو استعرضنا النصوص التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة حول هذا الأمر لوجدناها كثيرة ومتنوعة، وعلى المسلم أن يقف عند تعاليم دينه في التعامل مع كل عناصر الكون الفسيح الذي نعيش فيه، كما يجب على غير المسلمين أن يلتزموا بالحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث، فكل الأديان السماوية تحرم التلوث وتقر معاقبة من يتورط فيه».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y4yam7v3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"