عبدالقادر محمد الزعبي *
من منّا لم يشعر هذا الصيف بلهيب أشعة الشمس تضرب في كل مكانٍ على سطح هذا الكوكب؟ وقد أكدت هذا الشعور دراسة بحثية لمنظمة «كلايمت سنترال» الأمريكية، شملت 180 دولة حول العالم، مفادها أن 98% من سكان العالم تأثروا بالاحتباس الحراري هذا الصيف. وهو ما أيدته وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، بأن هذا الصيف هو الأعلى حرارة على الإطلاق، منذ بدء عملية تسجيل الحرارة على الأرض.
التحديات البيئة التي يواجهها عالمنا اليوم ليست بالجديدة، ولكن اتساع نطاقها، وانتشار مخرجاتها المدمرة لتشمل سكان الكوكب، هو الأمر الذي لم يعد من المقبول السكوت عنه، أو التأخر في علاج مظاهره، وأسبابه، على حد سواء.
وقد توسعت قائمة التحديات البيئية لتضم عنصراً جديداً، لا يقل فتكاً عن أي تحد سابق عرفناه، أو ألفناه، إن لم يكن أشدها على الإطلاق، وهو الذكاء الاصطناعي القائم على ملايين الرقائق المتعطشة للطاقة. إذ يكفي أن نذكر أن هذه التقنية الجديدة تحتاج إلى قوة حوسبة أعلى بخمس مرات من القوة الحالية، فضلاً عن الحاجة إلى تشغيل مراكز بيانات ضخمة، وتبريدها.
وبلغة أكثر دقة، فإن تشغيل 20 إلى 50 استفساراً على تقنيات الذكاء الاصطناعي، تستهلك ما يقرب من نصف لتر من المياه العذبة من خزانات المياه الجوفية، المرهقة أصلاً جراء الشّح فيها. فدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية (موطن أكثر عدد من شركات الذكاء الاصطناعي)، باتت تعاني جفافاً حاداً في بعض الأماكن، لدرجة وصلت إلى حدوث شقوق عملاقة في الأرض يصل طولها إلى 272 كيلومتراً، في كل من أريزونا ويوتا وكاليفورنيا، نتيجة الاستهلاك الجائر.
إذ تم ضخ المزيد من المياه من طبقات المياه الجوفية الطبيعية لمواكبة الطلب المرتفع على المياه العذبة، الأمر الذي تسبب بترهل الأرض، وخلق هذه الشقوق،من دون إفساح الوقت الكافي لمياه الأمطار لتجديد طبقات المياه الجوفية، وتعويضها، الأمر الذي أحدث كارثة حقيقة في 4 من كل 10 مواقع مائية، ونقصاً غير مسبوق، على الإطلاق، في مستويات المياه، مع العلم بأن 90% من شبكة المياه في الولايات المتحدة تعتمد على المياه الجوفية لتوفير مياه الشرب، وريّ المزروعات.
وإذا كنا هنا نورد الولايات المتحدة مثالاً، فهذا لا يعني أن بقية دول العالم أفضل حالاً، فالجميع، دولاً ومؤسسات وأفراداً، دخلوا في سباق محموم لمسك خيوط هذا العالم الجديد، عالم الذكاء الاصطناعي. فمن عدة مئات من الشركات قبل سنوات عدة، إلى ما يقرب من 58,000 شركة متخصصة في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي حول العالم، مع نهاية الربع الأول من العام الجاري 2023، فضلاً عن 115 مليون شركة تستخدم هذه التقنيات، و42% من بقية الشركات العالمية تفكر في دمج أعمالها وأنشطتها في تطبيقاته.
وإذا أردنا أن ندرك مدى التوسع الكمي الهائل لعدد مستخدمي تقنيات الذكاء الاصطناعي، فيكفي أن نذكر أن مراكز بيانات شركة غوغل في الولايات المتحدة وحدها، استهلكت ما يقدر بنحو 12.7 مليار لتر من المياه العذبة في عام 2021، وأن التطبيق الشهير «تشات جي.بي.تي»، استطاع بعد شهرين فقط، من إطلاقه، استقطاب 100 مليون مستخدم. والآن تجاوز المليار ونصف المليار مستخدم. فلك أن تتخيل، يا رعاك الله، حجم الماء المُستهلك في هذه التقنيات، والمستقبل الغامض الذي يكتنف مصير البشرية.
رعب الأرقام الذي يعكسه الذكاء الاصطناعي، قاتم، إذا ما أخذنا الكلفة البيئية العالية لاستخدام هذه التقنية. لكن الحقيقة لها جوانب أخرى أيضاً. فحجم هذه الصناعة وصل في عام 2020 إلى 65 مليار دولار. ويتوقع أن يصل إلى 15 تريليون دولار بحلول عام 2030. وهذا رقم لم تنجح أي صناعة في تاريخ البشر في الوصول إليه ضمن هذه الفترة الزمنية القصيرة جداً.
إذن.. ما هو المطلوب؟ باختصار شديد، المطلوب هو المواءمة بين المستهدفات والمخرجات، وألا يكون التطور الذي تنشده البشرية على حساب حياتنا، وحياة الأجيال القادمة.
إن مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 28)، فرصة مفصلية وذهبية في حث الشركات التي تتبنى تقنيات الذكاء الاصطناعي على البحث والاعتماد بصورة أكبر، على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة. والمجتمع العلمي والبحثي في دولة الإمارات قطع أشواطاً كبيرة في هذا الصدد، إذ يكفي أن نعلم أن جامعة واحدة في الإمارات (جامعة الإمارات)، تتولى مسؤولية تمويل 7 مشاريع بحثية متخصصة في التغيّر المناخي.
* باحث