عادي

متى يكون الحياء من الإيمان؟

22:41 مساء
قراءة 3 دقائق
1
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

يقول أحدهم: كنت جالساً أمام دكان، فرأيت أطفالاً في سن التمييز، يشترون الموز من البقالة، فيأكلون جزءاً منها ثم يرمون سائرها بقشورها أمام باب المسجد، ورأيت أحدهم تزحلق عليها وسقط.

قلت لصاحب البقالة: ما هذا؟ قال: ماذا أفعل؟ أنا أبيع، ولا أمر لي على الأطفال، كل يوم يفعلون هذا، وآباؤهم في المسجد.

قلت: من هم؟ قال: فلان وفلان، ثم قال لي صاحب البقالة: كلّمهم أنت. يقول الرجل: قلت له صراحة أستحي لأنهم من معارفي.

أقول: إن حياء صاحبنا هذا ليس من الإيمان، وليس حياء شرعياً أمر الله به أو أمر به الرسول.

يقول ابن حجر: الحياء في اللغة تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به.

وفي الشرع هو خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، واستعماله على وفق الشرع، يحتاج إلى اكتساب علم ونية، فالحياء في الأصل باعث على فعل الطاعة، وحاجز عن فعل المعصية، وإذا كان يمنع عن قول الحق أو فعل الخير، فهو حياء غير شرعي، انظر «فتح الباري» ج1- ص58.

إذن، هناك حياء سويّ، وحياء مريض، كما هو في مثل حال صاحبنا الذي استنكر فعل الأطفال الذي كان فيه إهانة للنعمة من جانب، وفيه إيذاء للغافلين الخارجين من المسجد من جانب آخر.

استنكر ولما عرف أهل الأطفال قال: أستحي أن أكلمهم، وهذا الحياء يعد عجزاً ومهانة، لأنه أخلّ بحق من الحقوق.

إن المنكر يجب تغييره، والأمر بالمعروف واجب، والدين النصيحة، والساكت عن الباطل شيطان أخرس، وما قيمة الصداقة بين مؤمن ومؤمن، إذا لم تؤد إلى بيان الأخطاء التي تصدر منا عمداً أو جهلاً؟، والأثر يقول: «المؤمن مرآة أخيه المؤمن».

إن كثيراً من الناس اليوم يرتكبون المعاصي، وليس الأخطاء فقط، ويجاهرون بها أمام الناس، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»، رواه البخاري ومسلم.

إن الحياء الذي ابتلي به عامة الناس اليوم لا يسمى حياء، بقدر ما يسمى بالخجل المرضي الذي يحول بين الفرد وبين قول الحق في موقف، أو يمنعه من فعل الخير في موقف آخر.

ورد عن ثابت البناني أنه قال: كنت عند أنس وعنده ابنة له: قال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تعرض عليه نفسها (أي للزواج) قالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها، واسوأتاه، واسوأتاه، قال: هي خير منك، رغبت في النبي، صلى الله عليه وسلم، فعرضت عليه نفسها. رواه البخاري.

أنكرت عليها بنت أنس، لأنها كانت جريئة في العرض، لكن الأب صحح لها بأنها جريئة في الحق، ولا حياء في الدين، ومثل هذا له وجود في القرآن الكريم أيضاً، قال تعالى: «فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا» الآية 25 من سورة القصص.

انظر إلى هذه الفتاة وهي بنت نبي الله شعيب، كيف خرجت إلى لقاء رجل غريب، والأغلب أن البنت تخجل أو تستحي في مثل هذه المواقف، لكنها خرجت وكلها ثقة، ودعته إلى لقاء والدها الذي أتم اللقاء بالزواج.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kv3w5ruz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"