عادي
نالت جائزة بوليتزر وبيعت منها مليون نسخة

«موت في العائلة»..رواية كتبت في 10 سنوات

15:17 مساء
قراءة 4 دقائق
موت في العائلة
القاهرة: «الخليج»
عكف الكاتب الأمريكي جيمس آجي على كتابة روايته «موت في العائلة» (ترجمة وتقديم إيمان أسعد) لأعوام عديدة، ولم تكن هناك إمكانية لإعادة النظر فيها، فقد انكب على المسودات الأولى، وحذف أجزاء محدودة منها، وكانت هناك صفحات عجز المحررون عن إدراجها في مكان ملائم، ضمن متن الرواية، وقد استقر على العنوان قبل وفاته، هذه الرواية نالت جائزة بوليتزر وباعت مليون نسخة.
المعضلة التي واجهها المحررون، تمثلت في تضمين عدة مشاهد تقع خارج الترتيب الزمني لأحداث الرواية الرئيسية، وجاء الحل في طباعة هذه المشاهد بخط مائل، وإلحاقها بنهاية كل من الجزء الأول والجزء الثاني من الرواية، وذلك بالتخمين حول المكان الذي كان ممكناً أن يدرجها فيه آجي.
استغرقت كتابة هذه الرواية عشر سنوات، ومات قبل إنهائها مخطوطة بأشهر، وقبل إصدارها بعام، وقبل عامين من نيلها جائزة البوليتزر، فقد ولد في السابع والعشرين من نوفمبر عام 1909 وعاش في كنف أبوين ينتميان إلى طبقتين مختلفتين، فأمه تنتمي إلى عائلة برجوازية تعود أصولها إلى الشمال الأمريكي، وعلى قدر عال من الثقافة والتعليم.
أما الأب فينتمي إلى عائلة ريفية جنوبية فقيرة محدودة التعليم، ورغم هذا الاختلاف كان البيت مفعماً بالدفء، وفي عام 1936 كتب آجي دونما تفكير ومراجعة وتعديل نصاً سردياً شعرياً بعنوان «نوكسفيل.. صيف 1915» وهو نص مفعم بالحنين إلى موطن ما عاد موجوداً إلا في ذاكرته، أو بالأحرى في ذاكرة الذات، التي كان عليها طفلاً.
الرجل البالغ والطفل فيه حاولا بناء هذا العالم من جديد، كما عاشه هو، وكما أحبه، عالم شيد على شذرات ذاكرة الطفل، وإبداع خيال الكاتب، عن الأماسي الصيفية في حي لا يحدث فيه الكثير، وكل ما فيه يتكرر بحكم روتين الحياة اليومية: حركة الناس وأحاديثهم، زئير عربات الترام، العشب الجاف، النجوم النابضة في السماء، قطرة ندى الليل الزرقاء.
*استهلال
نشر النص في العام ذاته في إحدى الدوريات الأدبية، ووفق محرر الرواية والناشر صديق آجي ديفيد مكدويل فإن استهلال الرواية بهذا النص، لم يكن ضمن مخطوطة آجي، بل كان قراراً منه كمحرر، ولو كان آجي حياً لطلب منه أن يستهل الرواية به، فمن شأن الاستهلال بهذه العاطفة الغامرة أن يمس كل قارئ، يساوره حنين إلى طفولته، أو إلى ماض ولى، وما عادت شواهده موجودة إلا في الذاكرة.
لكن القدر لم يمهل آجي ففي السادس عشر من مايو عام 1955 بعد 39 عاماً ويومين من وفاة أبيه، توفي آجي بأزمة قلبية، ومثل أبيه لقي حتفه في حادث سيارة أجرة في نيويورك وهو في طريقه إلى زيارة طبيب إثر معاناة من الإرهاق والوهن.
ربما لو ترك الخيار لآجي لاستهل روايته كما هي في المخطوطة الأصلية، بالنص السردي «الرؤيا» الذي حذفه صديقه والمستوحى من كابوس ما انفك يراوده، رجل يعود إلى بلدته، وعلى الفور تقع عيناه على رجل آخر، يتعرض لضرب مبرح على يد زمرة من الرعاع، وفي بادرة شجاعة منه يشد خطاه نحوهم، ولكنه يتراجع خوفاً.
استهلال الرواية بنص «الرؤيا» ينم عن إحساس آجي العميق بفشله في الاتصاف بصفات الرجل القوي الشجاع، فقد خذل والده خذلاناً عظيماً، فجيمس الذي أظهر منذ طفولته المبكرة براعة في القراءة وحساً عالياً من الإدراك والتأمل الفكري لما يجري حوله، عاش طفلاً هياباً أمام الآخرين، خائفاً من أي مواجهة جسدية، لهذا دائماً ما تولد لديه الاحتياج إلى أبيه.
كان آجي قريباً من أبيه، وأفدح خسارة سيعيشها بوفاة أبيه في عمر مبكرة هي عدم اكتمال هذه التربية الرجولية التي لن يجدها في أمه المتدينة الخاضعة تماماً لسلطة الكنيسة، ولا في خاله الرسام الانعزالي، هذا الإحساس بالنقص سيظل دوماً يلقي بظلاله عليه، وفي نصوصه، وكذلك يوميات حياته، في مقال عثر عليه بعد وفاته ويحمل عنوان «أمريكا انظري إلى عارك» يصف آجي حادثة عاشها في نيويورك بعد أحداث شغب ديترويت العنصرية عام 1943.
*خسارة
هذا الإحساس القاتم بالخذلان الذي ترسخ فيه تجاه أبيه وتجاه نفسه لم يجده لدى معلمه، ولا لدى صديقه المقرب ديفيد مكدويل، وكل من عرف آجي في الوسط الأدبي والثقافي رأى فيه القدرة على كتابة الرواية الأمريكية العظيمة، إلا أنه قضى حياته المهنية في الكتابة مشتتاً بين الصحافة ونقد الأفلام وكتابة السيناريو، لذا حينما مات دونما رواية اعتبرت وفاته خسارة فادحة.
لكن معلمه القس كان الوحيد المالك لحقوق نشر أعماله، وهب ملكيته الحقوق إلى صندوق آجي الائتماني الذي أسسته أرملة آجي، وتبرع له شارلي شابلن صديقه بالمال، وحين عرض صديقه مكدويل المخطوطة على دور النشر رفضها عدد منها، وهكذا قرر الصديق أن يؤسس دار نشر وتولى بنفسه دور المحرر، وحين نشرت الرواية وجدت طريقها إلى قلوب الشعب الأمريكي وبيوته، ولم تقتصر على النخبة وفي عام 1958 نالت جائزة البوليتزر وفي عام 1970 تجاوزت مبيعاتها مليون نسخة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yhxxkx4a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"