تقييم الخسائر والتحديات

22:58 مساء
قراءة دقيقتين
د.لويس حبيقة*
هناك حربان كبيرتان تحدثان اليوم في أوكرانيا وغزة مع تأثيرات عالمية سياسية أمنية واقتصادية. مع أن التقييم الآن لا بد وأن يكون أولياً، إلا أن النظر إلى الخسائر يجب أن يبدأ. لتقييم الحروب من الناحية الاقتصادية، تجب دراسة عوامل عدة كالأوضاع قبل الحرب، أي هل كانت الأوضاع المعيشية سبباً في انطلاق المواجهات المدمرة أم هناك أسباب أخرى؟ فالحرب يمكن أن تقتل الاقتصاد أو يمكن أن تكسر أحياناً الحواجز التي تمنع التقدم الاقتصادي. فالحروب توسع الأسواق أحياناً وتغير الحاجات وبالتالي تتغير خريطة الإنتاج. يجب أن تبقى الحروب دائماً آخر الوسائل التي تستعمل لأي هدف اقتصادي.
أين تقع الحرب مهم جداً. أفهمت الحرب الأوكرانية العالم أهمية الدولة في الاقتصاد العالمي. لولا تأثير الحرب في توافر وأسعار الطاقة والغذاء والأدوية الزراعية، ربما لما كنا شعرنا أو اهتممنا بها. تحصل حروب في إفريقيا وآسيا لسنوات وليس هناك من يهتم أو يشعر بها، وبالتالي تستمر لعقود بالرغم من الخسائر البشرية والمادية الهائلة. الثقل الاقتصادي الكبير لمنطقة روسيا/ أوكرانيا كان يجب أن يكون الدافع الأساسي لتجنب الحرب وهذا ما لم يحصل. تفاجأ العالم بالنتائج الاقتصادية السلبية للحرب المستمرة التي وصلت إلى كل منزل ومصنع في العالم. أين دور الأمم المتحدة؟ هل كان التقصير مقصوداً أم عفوياً؟ أما حرب غزة فأسبابها تاريخية إنسانية ونتائجها ستكون كبيرة على المنطقة والعالم. تتداخل الأمور السياسية بالاجتماعية والاقتصادية لتجعل من حرب غزة حرباً كبرى.
يسبق الحروب عادة تغيير كبير في توزع الموارد الداخلية البشرية والمادية استعداداً للمواجهة. يتغير الإنتاج كما الاستهلاك قبل الحرب وبعدها وبالتالي يتأثر النمو على المدى البعيد. عندما تنتهي الحرب، يتغير الاقتصاد ليس فقط بسبب ضرورة تغطية الخسائر بل أيضاً للبناء من جديد بطرق وركائز مختلفة. تسلط الحرب الأضواء على مساوئ الهيكلية السياسية والاقتصادية والقطاعية وتعطي الفرصة لسد الفجوات ومعالجة النواقص لهدف بناء اقتصادات أقوى وحديثة.
لا تتشابه الحروب من نواحي الدمار والخسائر. حرب أوكرانيا ليست كحرب غزة، إذ إن العوامل الجغرافية والإنسانية كما المادية مختلفة جداً. من العوامل المهمة، التكلفة وكيفية تمويلها أي هل المصادر داخلية أم خارجية أم هما معاً؟ للحروب أيضاً نتائج كبيرة نفسية إذ تتأثر المجتمعات بالخسائر خاصة البشرية. هذه الخسائر والضحايا تبقى مؤلمة لفترات طويلة وربما دائمة. بعد الحرب ستقيم الدول كافة النتائج وكيفية تخفيف الخسائر إذا ما وقعت حروب مستقبلية مماثلة. سيتم التركيز على توزع الإنتاج جغرافياً في العديد من السلع أهمها الطاقة والغذاء.
بينت الحرب الأوكرانية خطورة اعتماد العالم على إنتاج دولة واحدة أو دولتين في الغذاء، وبالتالي ضرورة التنويع المستقبلي في الإنتاج والتسويق. بينت حرب غزة أن الظلم لا يمكن أن يدوم وأن الانتفاض على الواقع الصعب لا بد وأن يحدث. خريطة العالم الاقتصادية ستتغير لأن الشعوب توجعت وبعد الوجع الشفاء.
* كاتب لبناني
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yx3cmb8n

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"