عادي

تحولات في مفهوم الرفاهية

15:04 مساء
قراءة 4 دقائق
ديفيد روبنسون  الرئيس التنفيذي لشركة الماريه للتجزئة

ديفيد روبنسون
الرئيس التنفيذي لشركة الماريه للتجزئة
شهد قطاع وجهات التسوق الفاخرة تحولات مهمة هذا العام، إذ أسهمت بعض الصيحات الجديدة، مثل الميل إلى عيش تجارب فاخرة ومستدامة وعودة فنون الصناعة اليدوية والحرف التقليدية، في رسم ملامح جديدة لمفهوم الفخامة والرفاهية.
تحرص العديد من وجهات التسوق الفاخرة مثل «مجمع غينزا 6 للتسوق» في طوكيو، و«هارودز» في لندن و«ذا جولدن تراينجل» في باريس على الحفاظ على مكانتها المرموقة من خلال الجمع البسيط والسلس بين التقاليد العريقة والابتكار لتلبية احتياجات التسوق المتطورة للعملاء المميزين. ويعمل هذا التناغم والتفاعل بين التصميم والتكنولوجيا وأسلوب الحياة العصري على توجيه هذا التحول في عالم الفخامة دائم التطور.
يواجه سوق المنتجات الفاخرة في كبرى مراكز التسوق في العالم، وحتى في المحلات التجارية ومتاجر المصممين الرائدة، تحديات فريدة في فترة عدم الاستقرار الاقتصادي، والتي غالباً ما تحددها المتغيرات المرتبطة بعادات الإنفاق الاستهلاكي. وقد يؤدي الانكماش الاقتصادي إلى تحفظ المستهلكين الأثرياء في الإنفاق، ما يؤثر في الطلب على السلع الفاخرة، وفي ذات الوقت يوفر فرصاً للتكيف الاستراتيجي.
وعانى سوق المنتجات الفاخرة في الولايات المتحدة من انخفاضٍ وصل إلى 20% في عام 2023، بالمقارنة مع ارتفاع الإنفاق بين عامي 2020 و2022، ما دفع الأطراف الفاعلة في القطاع للتركيز على استكشاف الإمكانات غير المستغلة في الأسواق الناشئة مثل الصين والهند والشرق الأوسط، والتي تتميز بنمو الطبقة المتوسطة وتقديرها الكبير للسلع الفاخرة التي أصبحت محل اهتمام جهود عمليات التسويق المُعاد توجيهها.
وبرزت منطقة الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، كوجهة حيوية في مشهد أسواق المنتجات الفاخرة، إذ تكشف النتائج الأخيرة أن 38% من المستهلكين في الإمارات والسعودية من محبي المنتجات الفاخرة، ويُبدون رغبة في إنفاق المزيد على تجارب التسوق الراقية، كما أن 54% من هؤلاء المستهلكين يعطون الأولوية للولاء للعلامة التجارية بغض النظر عن الأسعار، ما يؤكد تأثير ارتباطهم بالمنتجات الفاخرة. وهو سلوكٌ لا يُجسد الولاء للعلامة التجارية فحسب، بل يؤكد دوره المحوري في رسم ملامح سوق المنتجات الفاخرة في منطقة الشرق الأوسط.
ومن المتوقع أن تستمر هذه الاتجاهات مع دخول الأجيال الشابة إلى سوق العمل وزيادة قوتها الشرائية، كما أن الشريحة المتنامية من جيل الشباب الأثرياء تميل إلى المشاركة الفعّالة في عالم العلامات التجارية، مع توقع أن يكون لهؤلاء دورٌ محوري في دعم وتعزيز قطاع التسوق الفاخر في المستقبل.
الفخامة الهادئة
يمثل مفهوم الفخامة الهادئة، المعروف أيضاً باسم الفخامة غير المبالغ فيها، تحولاً من الملكية المادية إلى إعطاء الأولوية للبراعة والحرفية والتميز بغض النظر عن الوجود البارز للعلامة التجارية الشهيرة، إذ يلبي هذا التوجه احتياجات العملاء من أصحاب الذوق الرفيع والأناقة البسيطة والجودة الاستثنائية، بعيداً عن إظهار شعار العلامة التجارية بشكل ملفت.
وعلى الرغم من الاستهانة بمفهوم الفخامة الهادئة الذي كان سائداً منذ عقود، إلا أن هذا المفهوم بدأ يستعيد زخمه مؤخراً مع تنامي رغبة المستهلك في النأي بنفسه عن البذخ في الاستهلاك والشعارات البراقة، الأمر الذي استجابت العلامات التجارية الفاخرة عبر الانتقال إلى تصميمات أكثر أناقة ورقياً مع التركيز على البساطة، وذلك تلبيةً لتطلعات المستهلكين المتطورة وتفضيلاتهم التي تُحبذ التركيز على التفاصيل والجودة العالية في مفهوم الفخامة.
ويُجسد هذا التحول نحو تبني المفهوم الهادئ والراقي في تصميم وتقديم العناصر الفاخرة تطوراً في قيم المستهلك، حيث تجتمع الرغبة في الأناقة البسيطة مع الوعي المتزايد بالتأثير البيئي. ومع إعطاء المستهلكين المعاصرين الأولوية للاستدامة على نحو متنامٍ، تعمل العلامات التجارية الفاخرة على تبني تصميمات بسيطة وإعادة تعريف التزامها بالممارسات الصديقة للبيئة، وتقديم بدائل مبتكرة تتماشى مع الوعي البيئي.
نهج الاستدامة
أولت العلامات التجارية الفاخرة اهتمامها بنهج مستدام يُركز على العملاء، في استجابة واضحة للوعي العالمي المتزايد حول القضايا البيئية والممارسات الأخلاقية، وإدراكاً منها للتغير الذي طرأ على تفضيلات المستهلك، عمدت هذه العلامات إلى تكييف نفسها بشكل استباقي مع القيم التي تعطي الأولوية للعمليات الصديقة للبيئة والموارد التي تحترم القيم الأخلاقية وتلتزم بالمسؤولية الاجتماعية والإنتاج المسؤول.
وبناء عليه، تسعى العلامات التجارية الفاخرة العريقة أيضاً لتعزيز التزامها بالاستدامة من خلال استبدال المواد التقليدية ببدائل تحافظ على البيئة، وإطلاق مجموعة واسعة من المنتجات القابلة لإعادة التعبئة مثل أحمر الشفاه «31 لو روج» (31 Le Rouge) الأول من نوعه المعبأ في علبة زجاجية مستوحاة من المرايا من ابتكار «شانيل»، وهو استمرار لمسيرة الشركة الشهيرة بعطورها ومنتجاتها الراقية، مع التركيز على قابلية إعادة التدوير والجودة الدائمة للمنتج.
ويُبدي 74% من المستهلكين في الإمارات والسعودية اهتماماً واضحاً بالعلامات التجارية المستدامة التي تسهم بشكل فعال في بناء مستقبل يولي الحفاظ على البيئة أهمية كبيرة، وبالتالي، فإن هذا التحول يأتي منسجماً مع المخاوف البيئية الملحة، وله صداه بين أفراد الجيل الجديد من مستهلكي المنتجات الفاخرة الذين يقدرون الأصالة والشفافية.
أما في مجال تصميم بيئة تجارية تجريبية لخلق تجربة فريدة وملهمة للعملاء، فلا بد من إدراك أهمية هذه التفضيلات وابتكار عروض قوية للعلامات التجارية التي يتردد صداها بين عملاء اليوم المميزين. وصحيحٌ أن هذه الطريقة قد تؤدي إلى الارتقاء بمستوى العروض داخل المركز التجاري، إلا أنها تسهم أيضاً في تعزيز مكانة الوجهة كمركز يحتضن المنتجات الراقية ويلتزم بإحداث تأثير إيجابي على العالم.
يُعد الجمع بين التقليد والابتكار في قطاع المنتجات الفاخرة، الذي تطغى فيه العناصر الهادئة والجودة العالية على الشعارات الصارخة، أمراً محورياً في رسم ملامح الاتجاهات المستقبلية. ومع تعمقنا في عالم الفخامة المستدامة وتأكيدنا على الحرفية الدائمة وتقديرنا لجاذبية الفخامة الهادئة، يبدو جلياً أن الحديث الذي يتناول مفهوم الفخامة يخضع لإعادة صياغة.
هو توازنٌ دقيق بين التراث والحداثة يتجاوز خلاله مفهوم الفخامة نزعة التملك، ليصبح تجربة راقية وأخلاقيات عالية وتجسيداً للقيم المتطورة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/25fu4nbf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"