نظرية رياضية للادخار

22:23 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*
باستثناء العالم الموسوعي «جون فون نيومان» ‏(والذى ‏يمكن تذكره ‏اليوم بشكل كبير لعمله على نظرية اللعبة ولمساهماته في مجال الرياضيات ‏والميكانيكا الكمية ‏وحسابات الآلات)، فإن رواد البرنامج الحديث لعلم الاقتصاد نادراً ما ‏يتم ذكرهم خارج نطاق ‏المهنة. ولم يقم أحد على الإطلاق بإعطاء أمثلة الأسلوب الحديث ‏أفضل من «فرانسيس ‏بلومبتون رمزي» -، الذي ‏يعد معجزة عرف بشكل أفضل ‏باسم «فرانك»، وهو من تسبب في العشرينات من القرن ‏الماضي بتمزيق كامبريدج، إنجلترا‏‏. ‏

ويمكن التعرف إلى مدى حالة الهياج التي سادت بين الشباب في كامبريدج في تلك ‏الأيام من ‏خطاب كتبه العالم ذو العشرين عاماً لصديقه «ويتجينستين»‏ عام 1922(‏والذي استرجعه تلميذ «رمزي» الذي يدعى «بيتر نيومان)»: «لم أكن أقوم ‏بكثير من الجهد بشأن إعادة بناء الرياضيات؛ جزئياً لأنني كنت أقرأ قراءات ‏متنوعة: ‏قليل من النسبية وقليل من «كانت» وقليل من «فريج».. وقد استطعت بعد معاناة أن أنجز كمية جيدة من العمل. أعتقد أنني استطعت أن أحل جميع ‏‏المشاكل حول محدودية الأرقام الصحيحة، ماعدا المشاكل المرتبطة ببديهية الكفاءة، ‏ولكن قد ‏أكون مخطئاً». ‏

في أوائل ‏العشرينات ‏أصبح جلياً أن إعداد «رمزي» من ناحية الرياضيات كان أفضل من معلمه في ‏مواجهة ‏التحديات التي ظهرت فيما بعد. فقد نشر فقط ثلاث أوراق بحثية في الاقتصاد، كانت ‏‏لكل منها أهمية أساسية. وأكثر تلك الأوراق انتشاراً كانت بعنوان «نظرية رياضية ‏‏للادخار»،‏ والتي ظهرت في ‏The Economic Journal‏ عام 1928، وذلك بعد ‏الصفحات التي كتب فيها ل «ألين يونج» ‏والتي كانت بعنوان «تزايد ‏العوائد والتقدم الاقتصادي». ‏

وربما لم يكن الفرق بين الإسهام العظيم في التيار الرئيسي والكلاسيكيات المدفونة في ‏باطن ‏الأرض أكثر وضوحاً. إذ بينما تحاشى «يونج» الرياضيات بشكل تام، اتجه «‏رمزي» في ‏حالات نادرة لاستخدام القواعد التي تكاد أن تكون محرمة لحساب المتغيرات ‏في التفاضل ‏والتكامل وذلك كوسيلة للوصول إلى قرار حول مقدار الدخل الذي ينبغي ‏على الدولة أن تدخره ‏لتحصل على أكبر قدر من الإشباع عبر الزمن. وقد استخدم ‏نموذجاً يندمج فيه رأس المال مع ‏العمل لخلق تيار من الإنتاج (أو «المربى»، وهي ‏العبارة الشهيرة لصديقه جون كينز )، ‏والتي يتم استهلاك جزء منها ( «المربى اليوم» ) ‏وجزء آخر يتم ادخاره ( «مربی الغد» ) وفي ‏طريق تحقيق حالة مستقرة من «النعيم» ‏طرح «رمزي» إجابة معقدة إلى حد ما ولكنها دقيقة: ‏من الناحية الرياضية. إن ‏المخطط الحكيم لا بد أن يربط استهلاك المربی بسعر الفائدة: حيث ‏يأكل مزيداً من ‏المربى عندما يقل سعر الفائدة، ويأكل أقل عندما يرتفع سعر الفائدة. ‏

ويرى العديد من النقاد أنه ربما لو كان «رمزي» قد عاش لكان قد أصبح أحد أعظم اقتصاديي القرن العشرين. ‏وبالرغم ‏من أن «نظرية رياضية للادخار» لم تعد إلى الحياة من جديد حتى الخمسينات ‏من القرن ‏المنصرم، على يد «روبرت سولو» فإن الطرق الخاصة بالإنجليزي «رمزی» ‏‏، وليست طرق الأمريكي «ألين يونج» هي التي تم تطبيقها في العالم الجديد، ‏كجزء ‏من الحركة الحديثة. ولكن «رمزي» توفي وعمره 26 عاماً على إثر مضاعفات مرض ‏‏اليرقان، وذلك عام 1930، وتوفي «يونج» بسبب مرض الإنفلونزا بعد ذلك بفترة قليلة‏‏.‏

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3f7ufab6

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"