عادي
3 عروض تنتصر للمحبة والسلام في «المسرح العربي»

«بيت أبو عبدالله».. لغة الجسد للتعبير عن حجم المأساة

00:04 صباحا
قراءة 4 دقائق
مشهد من «بيت أبو عبدالله»
من عرض «أنتيجوني»
مشهد من العرض المغربي «اكستازيا»
بغداد: علاء الدين محمود
تواصلت، مساء أمس الأول السبت، في العاصمة العراقية بغداد عروض وفعاليات الدورة 14 لمهرجان المسرح العربي، برعاية الهيئة العربية للمسرح، واحتضن مسرح الرشيد العرض العراقي «بيت أبو عبدالله»، للفرقة الوطنية للتمثيل، تأليف وإخراج: أنس عبد الصمد.
واحتضن مسرح المنصور، العرض الأردني «أنتيجوني»، لمسرح الرحالة، إعداد وإخراج: حكيم حرب، فيما جرت أحداث العرض المغربي «اكستازيا»، لمؤسسة أرض الشاون للثقافات، في المسرح الوطني، والعمل من تأليف وإخراج: ياسين أحجام. والخيط الناظم لهذه العروض أنها أغان للحرية والانعتاق، وتقف ضد الشموليات والاضطهاد، وتشترك في انتصارها للإرادة الإنسانية الباحثة عن السلام والمحبة والعدالة والكرامة، هذه القيم هي عنوان عريض من أجل مجتمعات تسود فيها قيم الخير والجمال واحترام الإنسان لأخيه الإنسان.
العرض العراقي «بيت أبو عبدالله»، قدم أطروحة مختلفة من حيث الفكرة والرؤية الإخراجية، فالعمل، بحسب مؤلفه ينتمي إلى الميتا مسرح، فيتعمق في تناول الهم الإنساني عبر الرمز والدلالة، حيث يغيب الحوار والكلام في العمل الذي يعتمد بصورة أساسية على لغة الجسد في التعبير عن المأساة والكابوسية، لأن الفاجعة أقوى من أن تحكى، ولأن عين الرقيب تتربص وتنصب المحاكم، ولكن، حضرت لغة الأجساد المنهكة للبؤساء والمتعبين من خلال تأوهاتهم التي تملأ الفضاء، لقد أعلنوا عن مأساتهم بتلك الطريقة، وأعلنوا توقهم للحرية والانعتاق. العرض يتحدث عن أسرة في بيت واحد، تعرضت للاضطهاد من قبل سلطة مارست عليهم أسوأ أنواع التعذيب، وباتت حياتهم عبارة عن عذابات مستمرة، فيفتقدون إلى التواصل مع بعضهم، لتتآكل أجسادهم وأرواحهم شيئاً فشيئاً، ففقدوا الإحساس بأية قيمة للحياة، ليكون العذاب هو العنوان العريض لقصة حياتهم. عنوان العمل «بيت أبو عبد الله»، يثير الكثير من الأسئلة حول دلالته وعلاقته بالأحداث ومجرياتها، والشاهد أن «أبو عبد الله»، هو اسم عربي، ويشير لدولة عربية في عهود سياسية واجتماعية وثقافية مظلمة، حيث انتشر الرقيب عيناً على البشر في حركاتهم وسكناتهم.. يدون البلاغات ويفبرك التهم، ما جعل حياة الناس عبارة عن كابوس لا ينتهي، فلا ملاذ غير الصراخ والوجع الذي فيما يبدو هو النغمة التي تطرب أذن الرقيب. لقد أصبح الوجع يخيم في كل البيوت ويسكن كل النفوس، فخمدت قوة الفعل والحركة ضد الظلم، واستكان الناس فلا سبيل لهم بمواجهة تلك القوى الغاشمة، ولا أمل يلوح في الأفق، لا شيء غير التقلب في الوجع. ويستمر العرض على هذه الشاكلة، دون أن يمرر تلك العوالم الثقيلة أو يضع بسمة على شفاه الجمهور، فذلك هو الواقع بلا رتوش، وهذه هي الحقيقة، حقيقة الفاجعة كثمرة مرة وكبيرة وعلى المتلقي أن يتناولها كلها.
علامات
استعاض المخرج عن غياب الخطاب ولغة الحوار برسم علامات تحمل عدة دلالات وإشارات، في انتظار أن يلتقطها المشاهد، فهذا العرض النخبوي يعتمد على متلق ذكي يرصد هذه العلامات،ً ويكون فهمه الخاص للعمل، كما قام المخرج بتوظيف لغة الجسد بطريقة درامية مميزة، فلعب الممثلون دوراً كبيراً في تحمل مسؤولية العمل والتعبير عن عوالمه الغامضة، كما صنع المخرج تشكيلات بصرية وقطع ديكور تخدم فكرة العمل من خلال تفاصيل ستظل راسخة باعتماده على تقنيات مبتكرة، ولأنه استطاع أن يعبر عن عوالم الخوف التي عاشها الناس الذين توجهت إليهم رسالة العرض الذي وجد قبولاً كبيراً من قبل الجمهور.
ميثولوجيا
أما العرض الأردني «أنتيجوني»، فقد ذهب نحو فضاء الأسطورة، ليستعيد إحدى حكاياتها لكي يسقطها على الواقع، من أجل مواجهة الظلم والاضطهاد والعسف، بحثاً عن الحرية والخير وسلام العالم. فالعمل يقوم باستدعاء أسطورة يونانية قديمة «أنتيجوني»، تلك المأساة الخالدة، إذ رفضت أنتيجوني الخضوع لقرار الملك كربون الذي أمر بعدم دفن أخيها، لأنه في اعتقاد الملك رمز للشر، بينما سمح بدفن أخيه الآخر الذي قتل معه، لأنه في رأي الملك يمثل قيمة الخير. العمل استدعى تلك الأسطورة القديمة من أجل أن يسقطها على الصراع في المنطقة العربية، وبصورة خاصة في فلسطين، وأكثر تحديداً في «غزة» التي أصبحت، في نظر المحتل، البؤرة التي ترمز للشر. ويغوص العمل عميقاً في تناول واقع الحياة المتردي والمظلم هناك، حيث القصف والدمار والظلم وكل مظاهر الاضطهاد والاستبداد، غير أن تلك البقعة التي تتوق للحرية، لم تهمد، بل ظلت تناضل وتقاوم، لتصبح رمزاً للمنعة والصمود.
نجح مخرج العمل في صناعة الرؤى والمقاربات والحلول الإخراجية الجيدة من أجل إنجاح العرض الممتع الذي وجد قبولاً من الجمهور، واستطاع أن يصنع فرجة بديعة ومختلفة، وجاء الأداء التمثيلي أكثر تميزاً.
نساء ورجال
أما العرض المغربي «اكستازيا»، فقد اختار التوجه نحو الفضاء الاجتماعي، في تعبيره عن قضية الحرية والصراع، من خلال قصة زوجين تتحول حياتهما شيئاً فشيئاً إلى جحيم لا يطاق، بسبب العلاقة المضطربة بينهما وفتور التواصل والمودة وغيرها من المشاعر التي ينهض عليها بناء أي بيت زوجي.
والواقع أن اختلاف الاهتمامات والأفكار هو من صنع تلك الجفوة بين الزوج والزوجة، فصارا على طرفي نقيض من بعضهما، وفشلت كل المحاولات في ردم الهوة بينهما. والواضح أن كل من الزوج والزوجة يختلفان في شخصيتيهما وتكوينهما النفسي، فبينما كان الزوج «آدم»، وهو أستاذ للفلسفة، شخصاً مكتئباً ومتشائماً، كانت الزوجة «ليليث»، التي تعمل في فن الرسم، مرحة ومقبلة على الحياة وتحمل أحلاماً كبيرة. كانت «ليليث» على خلاف زوجها شخصية غير تقليدية، وأكثر مرونة من زوجها أستاذ الفلسفة الذي كان يريد لحياتهما أن تسير على النسق العادي، وأن ينجب الأبناء ويمتلك الثروات، بينما كانت فكرة الإنجاب بالنسبة لـ «ليليث» التي تقف ضد الحياة النمطية، ليست مركزية، وترى أنها فكرة مقيدة للمرأة، ليبرز هنا صراع النوع، الذكر والأنثى، بكل ما في ذلك من مفاهيم مثل الهيمنة الذكورية، ورغبة المرأة في مقاومتها والانعتاق منها، كانت ليليث تسعى نحو علاقة عاطفية مختلفة، حب خالص وحالم وأبدي.
مفاهيم
العرض احتشد بالمفاهيم والأفكار والأطروحات ذات الطابع الفلسفي، والتي تم تعميقها من خلال الحوارات التي تحمل طابع الصراع والدلالات الدرامية، واستطاع المخرج أن يصنع عرضاً محكماً من خلال العديد من التقنيات، ونجح الأداء التمثيلي في رفع إيقاع العمل، ليجد صدى جيداً من قبل الحضور.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yc6e484t

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"