عادي
آثار اجتماعية ونفسية لإهمال مخاطبة الأطفال بلغتنا الأم

«العربية».. غريبة وهجينة على ألسنة الطلبة وبعض الأسر

01:38 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحقيق: منى البدوي

غريبة لغتنا الأم على ألسنة الطلبة في محيط بعض الأسر، ويرثى لها في المحادثات في مواقع التواصل، ومهجّنة أحياناً بكلمات دخيلة، بسبب مبالغة بعضهم في الاهتمام بإكساب الطلبة مهارة التحدث بالإنجليزية، لدرجة تصل إلى كتم مخارج حروف اللغة العربية على ألسنة الأبناء، منذ نعومة أظفارهم.

يتعمد بعض أولياء الأمور التواصل مع أطفالهم بالإنجليزية، وتناسي العربية تماماً، بحجة أن الإنجليزية مطلب أساسي في مشوار الحياة العلمية والعملية، لأنها لغة المستقبل، بحسب اعتقادهم، متجاهلين بذلك أهميتها هُويّة وقاعدة أساسية في بناء القيم والمبادئ العربية.

من المهم جداً العمل على إكساب الأبناء لغات عدة، لكن لا بدّ من الأخذ في الحسبان، أن تكون العربية هي الأساس المتين الذي تبنى عليه هوية الفرد، ومبادئه وقيمه العربية الأصيلة التي تعدّ مكوناً لشخصيته المستقبلية، سواء في نطاق الأسرة أوالحياة الاجتماعية والعلمية والعملية، ومن ثمّ إكسابهم مهارات التحدث بلغات أخرى دون أن تتأثر لغتهم الأم.

تجاهل اللغة الأم

قال عبد الله أبو الفتوح، باحث دكتوراه في اللغة العربية وآدابها، تخصص النحو والصرف، ومعلم بمؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي بالعين: «إن حرص الأهالي على تعليم الأبناء اللغات الأجنبية منذ الصغر وتجاهل العربية، يترتب عليه تأثيرات سلبية في الطفل والمجتمع بشكل عام».

وأشار إلى جملة من الأضرار المحتملة لهذا السوك، ومنها اضطراب النطق، حيث إن الجهاز اللغوي عند الطفل في سنواته الأولى يكون قيد التطور، وأي تعرض للنطق بلغة غير (اللغة الأم) العربية قد يؤدي إلى اضطراب في النطق، وصعوبة التكيّف مع النظام الصوتي، وبذلك يصبح تصحيح الأخطاء الناجمة عن النطق الخاطئ صعباً في المستقبل.

وأضاف، أن تأخر التطور اللغوي واحد من الآثار السلبية، حيث يمكن أن يؤدي النطق غير الصحيح في الصغر إلى تأخر في التطور اللغوي بشكل عام؛ ما يضعف قدرة الأطفال على التعبير عن أفكارهم والتواصل مع أقرانهم بشكل فعّال، وقد تصل إلى عدم القدرة على التعبير عن الذات، وكذلك الالتباس اللغوي وهو الخلط بين الكلمات والقواعد اللغوية بين العربية وغيرها من اللغات الأجنبية لدى الأطفال في الصغر، قد يعرضهم لعدم القدرة على التمييز بين المفردات العربية وغير العربية؛ فنجد الطالب يعبر عن صورة الأشياء بجمل مركبة من كلمات عربية وأخرى أجنبية.

وذكر أن الآثار السلبية تتضمن كذلك، ضعف التواصل وتضاؤل مهارات العربية لدى الأبناء، ما يؤثر في قدرتهم على التفاهم والتواصل باللغة الأم، ويقلل فهم العربية أواستخدامها في التفكير بشكل نقدي، إلى جانب فقدان الهُوية التي أساسها اللغة العربية وتكوينها وتعزيزها، كما أن ما تحدثه من ضعف التواصل بين الأجيال، يمكن أن يؤدي إلى تكوين جيل يختلف تماماً من حيث الاهتمامات والقيم والمرجعيات عن جيل الآباء والأجداد، وقد يؤدي إلى فقدان العادات والتقاليد العربية الأصيلة المتوارثة عبر الأجيال.

وأكد أن تجنب تلك التأثيرات السلبية، يتطلب من الأهل الاهتمام بتعليم أبنائهم العربية، بشكل سليم منذ الصغر، وعلى المعلمين تقديم الدعم اللازم، والتوجيه اللغوي السليم للأطفال، قبل التركيز على تعلم لغات أخرى.

اللغة الثانية ضرورية

وقال محمد معوض، متخصص في التنمية البشرية والإرشاد الأسري: «أصبحت ظاهرة تعليم الأطفال في سن صغيرة للغة ثانية أمراً أشبه بالسباق، حيث تحول الأمر من مجرد اكتساب لغة إلى وجاهة اجتماعية تتسارع فيها الأسر لإظهار المكانة الاجتماعية والمستوى العلمي، بغض النظر عن المستوى والوضع المادي».

وأشار إلى ضرورة تعليم الطفل لغة ثانية، شرط ألا يكون على حساب محو الهُويّة، وتدمير اللغة الأساسية للطفل، موضحاً أن بعض الدراسات والأبحاث تشير إلى أن وجود أساس قوي للغة الأم، يؤدي إلى فهم أفضل للمناهج الدراسية، فضلاً عن موقف أكثر إيجابية تجاه المدرسة، لذلك من الضروري أن يحافظ الأطفال على لغتهم الأولى، عند بدء الدراسة بلغة مختلفة. ويفضّل تأخير تعلم اللغة الثانية في سنوات الطفل الأولى، لحين إتقان اللغة الأم.

الصورة

تجارب ناجحة

تجارب ناجحة عديدة خاضها أولياء الأمور في غرس اللغة العربية أولاً، وتمكين أبنائهم منها كتابة وقراءة ومحادثة، ومن ثم إكسابهم لغات أخرى، حيث قال عيسى المرزوقي: «ألحقت أبنائي بمدارس أجنبية لتمكينهم من تعلم لغات عدة ليستطيعوا بعدها مواصلة دراستهم في أي جامعة بالعالم، أوالعمل في أي مجال دون عوائق. وبسبب إيماني بأهمية اللغة العربية مكوناً أساسياً لهوية الفرد، والحرص على عدم فصله لغوياً عن مجتمعه، قررت أن تكون لغة أبنائي الأساسية هي العربية، ومن ثم إكسابهم الإنجليزية لغةً ثانوية، وبفضل الله يُتقن أبنائي، الذين هم حالياً في المرحلة الابتدائية، العربية والإنجليزية بطلاقة».

وذكر أن وجود الأبناء في مدارس تعتمد على مناهج أجنبية، لا يمنع من وضع العربية لغة أساسية، وتمكينهم من الكتابة والقراءة والمحادثة بالعربية، وغرس أهميتها لديهم، بجعلها لغة التواصل الرئيسية في المنزل وبمحيط الأسرة والأصدقاء، بينما تبقى الإنجليزية لغة ثانوية يتعلّمها الطفل في المدرسة وخلال مذاكرة الدروس.

وأشار إلى أهمية دور ولي الأمر في تعزيز مكانة العربية لدى الأطفال، وتمكينهم منها وتطويرها، عبر مشاركتهم في قراءة بعض آيات القرآن الكريم، لضبط مخارج الحروف وإثراء محصلتهم اللغوية والألعاب التي تتطلب كتابة عبارات وعمل مسابقات، مثل التحدث لمرحلة زمنية قليلة بالعربية الفصحى، أوكتابة جمل وعبارات وغيرها من الأنشطة التي نبتكرها ضمن حدود الأسرة لتمكينهم من لغتهم الأم.

الإنجليزية مطلب أساسي

وقال زياد يوسف: «هناك اعتقاد خطأ سائد لدى بعضهم، بأنه بمجرد تعلم المحادثة بالإنجليزية، فإن الفرد سيتمكن من اجتياز كل التحديات التي تواجهه في حياته العلمية والعملية، وهو ما يجب تعديله بالتوعية والتثقيف بأهمية اللغة الأم، وإكساب الطفل بعدها لغات أخرى وهو ما اتبعته مع أبنائي، حيث حرصت على تعليمهم في مدارس تنتهج المناهج العربية، لأنها تدرّس لهم العربية أساسية والإنجليزية ثانوية».

وأضاف أن الإنجليزية باتت مطلباً أساسياً، ولكن لا بدّ أن يتعلمها الأبناء، والتواصل باستخدامها عندما يتطلب الأمر فقط، حيث إنه من غير المعقول أن أتحاور مع أبنائي داخل المنزل أو في محيط الأسرة بلغات أخرى غير العربية.

كما لا أسمح لأبنائي باستخدام لغات أخرى، بالرغم من إجادتهم لها بشكل ممتاز، إلا خارج المنزل وعند الضرورة، مثل التخاطب مع أفراد لا يجيدون العربية، لأن المحادثة مع الأبناء طوال الوقت بغير لغتنا ليست تقوية للغة الإنجليزية التي يمكن أن أطوّرها بطرائق أخرى، مثل مذاكرة الدروس جيداً وقراءة الكتب والقصص والصحف الإنجليزية، ومشاهدة برامج تطور مهارتهم.

وأكد على أهمية دور ولي الأمر في تعزيز العربية لدى الأبناء، وعدم تحويلهم إلى غرباء لغوياً عن مجتمعهم، بإشعارهم بأهمية لغتنا الأم، وخلق فرص حوارية مع الأبناء بلغة صحيحة. وللغة القرآن الكريم أهمية في تصحيح مخارج الحروف، وتطوير مهاراتهم البلاغية والتعبيرية وغيرها ما يمكنهم من إتقان أي لغة في العالم.

إتقان مخارج الحروف

ويروي طارق أسعد - موظف- تجربته في اكتسابه للغة الإنجليزية وإتقانها بمهارة عالية هو وجميع شقيقاته، بالرغم من التحاقهم بمدرسة تعتمد على المنهاج العربية، وقال: «يعتقد بعضهم، أن إجادة الإنجليزية طريق الوصول إلى فرص تعليمية أفضل، لكن وبعد التجربة وجدت أن الواقع مخالف لذلك، حيث إن العصر يتطلب أن يكون الفرد متمكناً تماماً من العربية والإنجليزية، ليكون قادراً على التواصل مع أفراد المجتمع العربي الذي يعمل فيه ويتواصل أويقدم خدماته لجمهوره، والإنجليزي أيضاً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/bdd2jnh5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"