محرقة الإنترنت

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

تصور لنا بعض الكتب ماذا سيحدث في العالم بعد انهيار شبكة الإنترنت، كما لو كنا نعيش حالة «ما بعد المحرقة»، وهي حالة يتعرض فيها الكوكب لجائحة أو لضربة نيزك ضخم، ما يؤدي إلى نهاية الحضارة. وحتى لو طرحنا على «غوغل» سؤالاً يدور حول هذه المسألة، سنقرأ توقعات أشبه بالكابوس تتعلق بمختلف جوانب الحياة.

إذا ما فكرنا قليلاً في إجابة عن السؤال السابق، فبإمكان بعضنا تقديم تصور يتعلق باهتماماته، ورؤيته للشبكة وتعامله اليومي معها. هناك من سيقول لك «سنخسر مواقع التواصل الاجتماعي»، وآخرون سيشيرون إلى عودة الاتصالات بين البشر إلى مرحلة متأخرة عما نعيشه حالياً، وربما تطرق آخرون إلى بعض الخسائر المالية.

ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فوفقاً لتصورات عديدة على الشبكة، فاختفاء الإنترنت سيعود بالإنسان إلى العصر البدائي، فاقتصاديات الشركات الكبرى ستنهار، وستصاب التعاملات المصرفية بالعطب، ومصادر الطاقة الكهربائية ستتوقف، ومعها الخرائط الإلكترونية التي تعتمد عليها وسائل المواصلات العامة والخاصة وشبكات الهاتف وملايين الوظائف.. إلخ. كل هذا سيختفي، الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل هناك الأنظمة الغذائية التي ستتأثر بالسلب، وملايين الأطنان من الأغذية التي ستفسد، والسفن التي ستفقد وجهتها في البحار، والطائرات التي ستحلّق من مكان لتصل إلى مكان لا تعرفه، ويتزايد بؤس هذه التوقعات، فشبكات توصيل المياه ستصاب بالعطب، وحتى أجهزة الأمن التي تعتمد في معلوماتها على الشبكة ستعاني لفترة طويلة، ما يؤدي إلى انتشار الجريمة، وربما الفوضى التي تستدعي تدخل القوات المسلحة.

وهناك الكثير من التفاصيل الأخرى التي تصيبنا بالإزعاج، ولكننا لن نلبث أن نفكر في شكل العالم قبل ثلاثة عقود من الآن، ففي حقبة التسعينات من القرن الماضي، كانت هناك شبكة إنترنت، ولكنها لم تكن بكل هذا التغول وهذه الأهمية، وإذا عدنا لمدة عقدين آخرين في الزمن، فإننا سنلاحظ أن وجودها لم يكن مؤثراً أو ملحوظاً في حياة البشر.

هذا التفكير يقودنا إلى نتيجة بسيطة يفرضها التفكير العقلاني الأوليّ، فحياتنا من دون شبكة ستعود إلى حقبة السبعينات من القرن الماضي، بل إننا سنجد في تلك العودة بعض الإيجابية، فظاهرة مثل العولمة بكل تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ستختفي، ولن تكون هناك شركات ضخمة عابرة للفضاء الإلكتروني وليس لحدود البلدان فقط، وتعبّر في الوقت نفسه عن انتصار الرأسمالية، ووصولها إلى أعلى تطوراتها وصورها وحشية، ولن يتجسس علينا أصحاب الإعلانات الذين يطاردوننا في كل مكان، وسنشعر بالراحة بسبب اختفاء سخافات مواقع التواصل، ولن نستيقظ كل يوم على أحدهم يعلن وفاة فكرة أو موت قيمة أخلاقية أو ثقافية، وسيتراجع القلق الإنساني المتنامي تجاه صعود الروبوتات وبرامج الذكاء الاصطناعي.

إن اختفاء الإنترنت في أسوأ حالاته لن يؤدي إلى المحرقة، وربما يكون من وجهة نظر مختلفة، عودة إلى مدينة وادعة دأبنا منذ ثلاثة عقود على مغادرتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/pj63kaax

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"