عادي

الثقافة طوق نجاتنا في عالم يفيض بالحماقة

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
الثقافة طوق نجاتنا في عالم يفيض بالحماقة

القاهرة: «الخليج»
في «رباعية الإسكندرية»، يتحدث الكاتب البريطاني لورانس داريل، عن طرفة، قد تكون حقيقية أو مختلقة، حدثت للكاتب الفرنسي بول كلوديل عندما مثل بلاده دبلوماسياً في اليابان: خرج في أحد الأيام من مقر إقامته في طوكيو، لحضور حفلة، وعندما نظر بدهشة إلى النار التي تلتهم بيته كان أول ما فكر فيه مباشرة مخطوطاته ومكتبته المملوءة بالمجوهرات الببلوجرافية.
عندما وصل إلى حديقة المنزل رأى رجلاً يخرج من بين الدخان، ويحمل شيئاً بين ذراعيه، كان ذلك الرجل هو خادم المنزل، اتجه نحوه وقال: «لا تقلق يا سيدي فقد أنقذت الشيء الوحيد ذا القيمة»، ولم يكن ذلك الشيء سوى بدلته التشريفية

ما أجمل العيش من دون ثقافة


يقول ثيسار أنطونيو مولينا في كتابه «ما أجمل العيش من دون ثقافة»: مررت بمثل هذا الكابوس لفترة زمنية محددة، وذلك عندما عدت إلى منزلي مثل شخصية جون شيفر في روايته «السباح»، بعد أن قطع مسافات طويلة، ليس بغرض السباحة، وإنما بهدف زيارة مكتبات العالم، ووجدت نفسي في الموقف الذي عاشه مؤلف «حذاء القسيس» بول كلوديل. لم يأت أي خادم لمقابلتي، باستثناء كائن مجهول، يكرر الكلمات نفسها التي كان يكررها الخادم الياباني يحمل «فلاش ميموري» ويقول: إنني لن أجد فقط كل كتبي المفقودة في تلك الفلاشة، وإنما تتضمن أيضاً مطبوعات المؤسسات الرئيسية في العالم.
يقول المؤلف: تتكون مكتبتي من مئات المدن، وآلاف الشوارع، وعدد كبير جداً من المشاهد، ومن خلال هذه الفضاءات مشيت مع المؤلفين وشخصياتهم، عشت حياتهم على مر العصور، وعندما ألمس الصفحات التي أقرأ فيها، أحس بدموعهم وابتساماتهم وبرائحتهم، إن الكتاب عبارة عن شيء، عن مادة، عن تمثيل، عن رمز، عن مقياس، أما الكتاب الإلكتروني المعروف فهو دائم ليوم واحد فقط، ثم يزول.
يوضح المؤلف أن الكتاب الإلكتروني ليس خطراً على القراءة، بل الخطر هو الألعاب الإلكترونية وبرامج التلفزيون الركيكة عديمة الفائدة والتعليم السيئ الذي يبنى على منهجية ما، أو التعليم الإجباري المفروض فرضاً والذي يشكل عبئاً ثقيلاً على متعلمه.لن تنهي الشاشة الكتاب الورقي المطبوع، حتى لو أصبح قطعة أثرية، بل على العكس، فإنها ستسهم في توسعة القراءة فالأجيال القادمة ستكسب عادات وأشكالاً جديدة في العلاقة مع النص المكتوب.
إن عملية جمع الكتب عملية قديمة ينقد لوثيانو في كتابه «عاشق الكتب الجاهل» من يشترون الكتب، بهدف تزيين بيوتهم ولا يقرؤونها، ووصف لنا سينيكا مثل شيشرون وغيره من الكتّاب الرومانيين شوارع عاصمة الإمبراطورية، حيث يبيعون لفائف تحتوي على كل ما هو جديد في الأدب، أو حيث ينسخون أعمالاً من عصور مختلفة، خلال تلك الفترة نشأت تحديداً فكرة المؤلف والناشر، كم عدد المجلدات التي تم نسخها؟.
تنعكس تقنيات العالم الرقمي على مجالات حيوية مثل العمل والتعليم والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وعززت هذه التحولات من شعورنا بالتقييد والمراقبة، وحفزت رغباتنا في الاستهلاك، ما أدى إلى تنامي الحالة الانعزالية، وصعوبة تشكيل وجهة نظر، حيال أية قضية.
لكن كيف نحمي أنفسنا من شبكات التواصل الاجتماعي؟ وما جدوى الفن والأدب والمكتبات والكتابة والأيديولوجيات والمعتقدات؟، كيف يمكننا أن نعرف الحقيقة في الوقت الذي نحاط فيه بالأخبار الكاذبة وبالشعبوية السياسية وبالشعور الوهمي بالحرية والسعادة؟، هل محكوم علينا أن نعيش في عالم من دون ثقافة، ومن دون فكر، ومن دون إدراك، والثقافة وحدها هي طوق نجاتنا في عالم يفيض بالحماقة.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2bf7mx6m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"