عادي

«الحب السائل»..العلاقات الإنسانية في خطر

23:41 مساء
قراءة 3 دقائق
«الحب السائل»..العلاقات الإنسانية في خطر

القاهرة: «الخليج»

في منتصف سبعينات القرن العشرين، ثار نقاش في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لعلماء الاجتماع، حيث رأى بعضهم أن هذا العصر هو عصر التحديث الاجتماعي، في حين قال آخرون إننا نعيش في عصر الرأسمالية، وما يحرك العالم اليوم هو البحث عن الفائدة.

انتهت اليوتوبيا مع انتصار الليبرالية أو «نهاية التاريخ» كما يسميها فرانسيس فوكوياما في زعم بعض الأشخاص، لكن الذي انتهى أيضاً هو تصور الإنسان كما قدمته الحداثة الصلبة، لينتقل إلى طور الحداثة السائلة.

نعيش الآن ما يسمى موت الأيديولوجيا، ومع غياب اليوتوبيا والأيديولوجيا، واستبعاد السرديات الكبرى لتفسير العالم، تم اختزال الإنسان في أمرين: هواه وماديته، أي إرادته التي لا يحكمها معيار خارجي، وطبيعته التي تم اختزالها في الجانب المادي منها.

في هذا الكتاب وعنوانه «الحب السائل.. عن هشاشة الروابط الإنسانية» (ترجمه إلى العربية حجاج أبو جبر)، يرصد مؤلفه عالم الاجتماع زيجمونت باومان كيف تم تدمير ما تتسم به العلاقات الوجدانية من ديمومة وعفوية تلقائية وعاطفية، حيث إن التوقيت والمدى القصير الذي تقوم عليه حسابات المجتمع الاستهلاكي الحديث، تقوم بتوليد الحاجات بشكل مستمر، وتحويل كل قديم لشيء مستهجن، يستحق أن يوضع في سلة النفايات، بما في ذلك المشاعر والعلاقات.

يأخذنا باومان في رحلة تبدأ من الفلسفة، لتدخل في صلب الاجتماع، ثم تنتهي بالسياسة فباومان بعد أن مهّد في كتابيه «الحداثة السائلة» و«الحياة السائلة»، يسعى لفهم طبيعة الحالة السوسيولوجية، التي تعيشها مجتمعاتنا، ويريد هنا في كتابه «الحب السائل» أن يبين تجليات الحداثة السائلة في الوعي بالذات والخيارات الشخصية، إذ يرى أن العلاقات وصف عميق يعكس خيارات اجتماعية مركبة ومعقدة، ولها ثمن في مجتمع متلاحم، في حين أن إنسان الحداثة السائلة، يقرر أنه لا يرغب في دفع أثمان ولا استثمار وقت ولا التضحية من أجل أن يحصل على مزايا التواصل الاجتماعي، بساطة تحول هذا الإنسان من وضوح العلاقات الاجتماعية إلى غموض الصلات العابرة في ظل تنامي السيولة بكل شيء من حوله، وفي ظل تحول ما كان يسمى المجتمع إلى مجرد تجمع بشري.

في الفصل الأول من هذا الكتاب يتحدث باومان عن العلاقة بين الحب والموت، وعن فقدان الأفق والرغبة في تحصيل عوائد الأفعال الآن هنا بلا صبر أو تأجيل أو نقاش أو تفاوض، الربط بين الحب والموت قد يبدو غريباً لبعض الأشخاص، الموت ليس موضوعاً منفكاً عن الوعي بالعالم وعن مشاعر الوجدان، فالموت حين يقترب وحين يغدو نقطة نهائية وليس هناك «ما وراء»، تبرز إلى السطح تلك الرغبة العارمة في الإمساك باللحظة والاستمتاع بها، بأقل كلفة أو التزام.

يصحبنا باومان في هذا الكتاب من النظرية الاجتماعية التي قدم إطارها سابقاً، ليحلل بشكل محدد خيارات الفرد الشخصية في زمن الحداثة السائلة، حيث الحياة تخلت عن صلابة جذورها، يحدثنا عن الحياة العاطفية في ظل غياب أعمدة وسقف، حيث تختفي الثقة وتسود المغامرة حين يأكل الإنسان الثمار المحرّمة وهو يظن أنه سيجد جنته المفقودة، وتعده آلة التسويق الرأسمالية بالمتعة، فيدخل إلى عالم الصلات العابرة، ظناً منه أنه يتخفف من مسؤولياته، ولا يحرم نفسه من فرص، قد تظهر وآفاق قد تستجد، لكنه في النهاية يجد نفسه تعيساً، يحتاج إلى مستشار نفسي، يقود حياته، أو خبراء ينصحونه بمقابل باهظ، كيف يقيم علاقة طبيعية في زمن لم يبق فيه طبيعي ولا صناعي على حاله.

«عالم النفايات» كما يسميه باومان، حيث كل الصلات يمكن الاستغناء عنها، مثل منتج تم استهلاكه، فالعين تمتد دوماً إلى ما وراء اللحظة، وتتطلع إلى ما يتم تزيينه بأنه الأفضل، غير راضية بما هو متاح. فحين اختفى الأبد، بات الإنسان يبحث عن أبدية اللذة في لحظية المتعة وآنيتها، بلا توابع ولا مسئوليات، وكما يقول باومان في تحليله: «الحب بطبيعته يسعى إلى إدامة الرغبة، أما الرغبة فبطبيعتها تهرب من قيود الحب».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/y359766h

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"