جدل نهاية الغرب

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

تكثر الكتب التي تتنبأ بانهيار الحضارة الغربية، وفي مقابلها هناك أطروحات عديدة تصور تلك الحضارة بوصفها التطور الحتمي والأخير للإنسان، بمعنى أننا وصلنا إلى النهاية.. نهاية الحضارة أو نهاية التاريخ كما قال فوكوياما ذات يوم، ولكن كلا الجانبين لم يتطرقا إلى عدة ملاحظات تتعلق بضرورة وضع حدود داخل الحضارة القائمة حالياً بين ما هو غربي بحت وما هو كوني.

في كتاب ترجم مؤخراً بعنوان «الانفجار الأكبر.. تقرير حول انهيار الغرب» يرصد الفيلسوف الفرنسي بيار توبي عوامل كثيرة ستؤدي إلى زوال الحضارة الغربية في عام 2081، منها النزعة الاستهلاكية وسيادة الثقافة المادية وهيمنة الآلة، والتغيرات الجوهرية التي تنتاب روح الإنسان وأخلاقياته. وهو ينتمي إلى تيار نقدي واسع بدأ منذ أكثر من قرن، ربما منذ كتاب الفيلسوف الألماني شبنغلر «تدهور الحضارة الغربية»، والملاحظة التي يمكن توجيهها لذلك التيار خصوصاً في أحدث طبعاته مع توبي وأمثاله، هل القيم المادية السائدة التي ينتقدونها ويرون أنها ستؤدي إلى زوال الغرب تقتصر عليه تحديداً أم أنها أصبحت قيماً عالمية تنتشر في جهات الأرض المختلفة؟

إن مفهوم الحضارة شديد التعقيد، يختلط فيه السياسي والاجتماعي بالثقافي والتاريخي والجغرافي والاقتصادي، ويمتزج بداخله العام بالخاص بطريقة يصعب فيها التمييز بين إضافات الشعوب المختلفة.

فمثلاً هل نتوقع نهاية الرأسمالية مع انهيار الغرب؟ أي هل سينهار اقتصاد العالم بأكمله إذا تعرض الغرب لهزة حضارية قوية؟ سؤال إشكالي ومعقّد وفيه نظر كما يقال، وماذا عن المشكلات التي عولمها الغرب مثل: الفقر والهجرة والمناخ، هل تنتهي وتحل تلقائياً أم تتفاقم وتُدخل العالم في فوضى؟

والأهم ماذا نعني تحديداً بالمصطلح الجذاب لدى الكثيرين «انهيار الغرب»؟ وهل يعني هذا الانهيار زوال ذلك الفضاء الجغرافي أم تدهوره أم تفككه أم نهاية هيمنته وسطوته ومروياته عن نفسه والآخرين؟

لم يعرف التاريخ نهاية تامة لحضارة ما، على الأقل تبقى آثارها وبعض أفكارها واختراعاتها تتوارثها الحضارات الأخرى، ولم يعرف التاريخ، منذ ميلاد المسيح على الأقل، تدهوراً ضخماً لحضارة ما، وإنما شهدنا انكفاءً وخفوتاً وعزلة جغرافية عن العالم، حدث هذا مع الحضارة العربية على سبيل المثال، ولكن المسألة في حالة الحضارة الغربية أكثر تعقيداً، فالأنظمة التجارية والاقتصادية وتحوّل العالم إلى قرية كونية.. كلها عوامل لن يسمح حدوث أي خلل فيها بآثار سلبية مدمرة في الغرب فقط، والقيم المهيمنة على البشر حالياً لم تعد قيماً غربية بحتة بل طعمت بسلسلة طويلة ومعقدة من قيم وثقافات الشعوب الأخرى، والمشاكل التي تنتاب روح الإنسان باتت معولمة.

على الجانب الآخر يتطلب الحديث عن انتصار الغرب النهائي نقاشات طويلة وأسئلة عديدة، فهناك الكثير من الثقافات التي لا تزال تحتفظ بأفكار وقيم خاصة بها تتحصن خلفها لتعبر عن هويتها الخاصة، أفكار تغزوها العولمة ببطء وعلى مهل، لكنها موجودة، تخفت حيناً وتتوارى حيناً، وبرغم كل الضغوط لا تزال صامدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4e8urfjs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"