عادي
أضخم مناورة لحلف «الناتو» منذ 36 عاماً

«المدافع الصامد 2024».. محاكاة للحرب العالمية الثالثة

00:24 صباحا
قراءة 8 دقائق
الدبابات جزء رئيسي من مناورات المدافع الصامد 2024
الحركة السريعة من إقليم لآخر هدف رئيسي لمناورات المدافع الصامد 2024
المدافع الصامد 2024 يختبر بيئات عسكرية مختلفة
نموذج لنقل القوات عبر أراضي «الناتو» من الولايات المتحدة وكندا غرباً، حتى الحدود الروسية شرقاً

د. أيمن سمير

مناورة «المدافع الصامد 2024» تحاكي نشوب «حرب عالمية ثالثة»، وتعد أكبر مناورة لحلف دول شمال الأطلسي «الناتو» منذ 36 عاماً، ليس في عدد الجنود والطائرات والدبابات فقط، بل في المساحة والنطاق الجيوسياسي التي ستدور عليها، تبدأ هذه المناورات غير المسبوقة من الأراضي الأمريكية والكندية، وتعمل في كل المحاور الأوربية، بخاصة الشرقية والشمالية القريبة من روسيا، تكتيك هذه المناورة يختلف عن كل المناورات التي جرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لأن هذه المناورة تعتمد لأول مرة على نهج «الدفاع الاستباقي الشامل»، و«الردع النشط»، وهذا يختلف عن كل أنماط المناورات السابقة التي كانت تقوم على مبدأ «الدفاع المحلي والإقليمي»، وكل ذلك بهدف تعزيز القدرات التشغيلية المشتركة لكل الدول المشاركة في المناورة، ليس هذا فقط، فهذه المناورة سوف تكون الأكبر في مداها الزمني حيث بدأت في فبراير/ شباط الجاري، وتستمر حتى الأسبوع الثالث من شهر مايو المقبل.

أتحدث عن مناورات «المدافع الصامد 2024» التي تشارك فيها 31 دولة من حلف «الناتو»، بنحو 90 ألف جندي، و100 طائرة مقاتلة، منها طائرات «إف 35»، وطائرات النسر «إف 15»، ومشاركة حاملات الطائرات، منها حاملة الطائرات العملاقة «يو إس إس جونستون هال»، التي توجهت لمكان المناورات من ميناء نورفولك بولاية فيرجينيا، فضلاً عن عدد غير محدود من الطائرات المسيّرة، ونحو 1110 قطع من المعدات الأرضية، منها 233 دبابة، و535 ناقلة جنود، ما يؤشر إلى أن مستوى التوتر يزداد مع اقتراب أوربا من اكتمال عامين على الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في 24 فبراير/ شباط 2022، لكن الخطر الأكبر أن مناورات «المدافع الصامد 2024» سوف تنفذ محاكاة لضربة نووية ضد الأراضي الروسية، بخاصة في مناطق لينينغراد، وأرخانجيلسك، ومورمانسك، وسمولينسك، وبسكوف، فما هي الرسائل التي يسعى «الناتو»، بقيادة واشنطن، الى توصيلها للدب الروسي؟ وكيف سيكون رد «سيد الكرملين» على تلك «الرسائل الخشنة»؟ وإلى أي مدى تشكل هذه المناورات «حائط صد» حقيقي لحماية «دول الناتو» المجاورة لروسيا؟

حوافز وراء المناورات

تقول الولايات المتحدة الأمريكية إن أفضل طريق لمنع الحرب هي الاستعداد للحرب، لهذا تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف من وراء «المدافع الصامد 2024»، وهذه الأهداف هي:

أولاً: «احتواء روسيا»

الرسالة الأهم التي تريد واشنطن إرسالها إلى موسكو من تلك المناورات أن «حلف الناتو» لم يسمح لروسيا بتكرار سيناريو أوكرانيا مع 31 دولة هي أعضاء «حلف الناتو»، وأن أعضاء الحلف لهم من الموارد الاقتصادية والأصول العسكرية القادرة على احتواء روسيا في أي وقت، وفي أي اتجاه، لكن يعتمد «التكيتك الرئيسي» لمناورات «المدافع الصامد 2024» على «سرعة الحركة» من الولايات المتحدة وكندا إلى أوروبا، وسرعة نقل القوات والمعدات العسكرية من غرب ووسط أوربا إلى شمال وشرق أوربا، خاصة ألي مجموعة «بوادبيست التسعة»، التي تضم دول بحر البلطيق الثلاث أستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، والمجر والتشيك، وسلوفاكيا، وبلغاريا ورومانيا وبولندا، وتختبر هذه المناورات قدرة «الناتو» على احتواء روسيا من خلال قدرة «الناتو» على إجراء مناورات، برية وبحرية وجوية، متزامنة بداية من الحدود البحرية لروسيا، في البحر الأسود وبحر البلطيق وبحر بارنتس، وصولاً إلى الحدود البرية لروسيا شرق وشمال أوروبا، وهناك اعتقاد راسخ لدى واشنطن ولندن، بأن الخطوات الأمريكية والبريطانية الأخيرة، مع دول الحلف قادرة على «احتواء» روسيا، بخاصة في ظل نشر ما يقرب من 100 ألف جندي أمريكي في شرق أوروبا، وتحريك بعض الوحدات البريطانية والألمانية تجاه دول بحر البلطيق الثلاث، ومن هذا المنطلق تهدف هذه المناورات إلى تطوير الخطط الدفاعية المحدثة لحلف «الناتو»، ووضعها موضع التنفيذ عبر اختبار هذه الخطط في صورة محاكاة لاندلاع «حرب عالمية ثالثة»، والوقوف على محاور القوة والضعف حتى يستطيع «الناتو» تحسين استراتيجياته وتكتيكاته إذا ما هاجمت روسيا أي دولة من دول حلف الأطلسي، وفق عقيدة «الناتو» الجديدة، ولهذا وصف «الناتو» هذه المناورات بأنها «تمكين استراتيجي» لحماية كل الأراضي الأطلسية، بعد أن جرى تجاهل هذا الأمر في عهود سابقة، بخاصة في عهد جورج بوش الابن، وباراك أوباما، ودونالد ترامب.

ثانياً: «محاكاة للهجوم على الناتو»

التدريبات الرئيسية التي سوف يعتمد عليها «المدافع الصامد 2024» هي كيفية تحقيق «استجابة» من حلف دول شمال الأطلسي «لهجوم روسي» على إحدى دول الحلف، ويفترض هذا الأمر، في حال حدوثه، أن يجتمع قادة الحلف ويقوموا بتفعيل «المادة 5» من ميثاق الحلف، والتي تنص على «التضامن الجماعي» للدفاع عن أي دول في التحالف تتعرض لهجوم خارجي، وهناك تصور في «الناتو» بأن الهجوم الروسي يمكن أن يأتي عبر 3 مسارات رئيسية، يأتي الهجوم الأول على ألمانيا عام 2025 عبر أراضي بيلاروسيا، والثاني بالهجوم على بولندا حال سيطرة روسيا على مدينتي أوديسا ولفوف الأوكرانيتين، والهجوم الثالث قد يكون على السويد، ما دفع وزارة الدفاع السويدية لحث المواطنين على الاستعداد لهذا الهجوم المحتمل عبر الانضمام لمنظمات الدفاع التطوعية، ويأتي كل ذلك رغم تأكيد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكثر من مرة بأن روسيا لا تفكر في الهجوم على أي دولة في شرق، أو شمال ووسط أوروبا.

ثالثاً: «تسويق الخوف»

فالولايات المتحدة ومعها بريطانيا، وباقي صقور دول حلف «الناتو»، ترافق تلك المناورات بحملة إعلامية ضخمة تقول إن روسيا يمكن أن تجتاح دولاً أخرى في شرق وشمال أوروبا، وتتحدث بشكل خاص عن احتمالات لاستهداف روسيا لكل من بولندا ودول بحر البلطيق الثلاث استونيا وليتوانيا ولاتفيا، وفي سبيل «تسويق الخوف» من روسيا تسترجع الولايات المتحدة، وحلفاؤها الأطلنطيون «أجواء الحرب الباردة»، فمناورة «المدافع الصامد 2024» هي الأكبر منذ مناورات «الناتو» عام 1988، التي شارك فيها وقتها نحو 120 ألف جندي، ومنذ تفكك الاتحاد السوفييتي في 25 ديسمبر 1991 تراجع عدد المشاركين في مثل هذه المناورات، ولهذا تشكل العودة لهذه الأعداد الضخمة من الجنود والمعدات في المناورات بمثابة العودة لأجواء «الحرب الباردة» من جديد، ونجحت حملة «تسويق الخوف» من روسيا في دفع كل من فنلندا والسويد للانضمام للناتو رغم حرص هلسنكي واستوكهولم على الحياد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وساعدت هذه الاستراتيجية حلف «الناتو» ليس على ضم دولتين من أغنياء أوروبا «للناتو» فقط، بل وضع «الناتو» على حدود روسيا مباشرة بأكثر من 1350 كلم جديدة، هي الحدود الفنلندية المباشرة مع روسيا، ولهذا سوف تستخدم «قوات الناتو» الموانئ والقواعد العسكرية الفنلندية لأول مرة، في تلك المناورات، وهو ما يقول إن سياسية «تسويق الخوف» من روسيا تحقق مكاسب كبيرة لحلف «الناتو»، وكل ذلك تطبيق لاستراتيجية الحلف التي أعلنها في قمة مدريد في 28 يونيو/ حزيران 2022، والتي تقول بوضوح أن روسيا هي التهديد المباشر لدول الحلف، وتؤكد كل تصريحات المسؤولين العسكريين الأوربيين أن روسيا هي التهديد الأكبر لأمن أوروبا، وأن «الناتو» يجب أن يكون مستعداً لأي حرب «محتملة» مع موسكو.

رابعاً: «تسويق السلاح الأمريكي»

مشاركة نحو 90 ألف جندي يستخدمون أحدث الأسلحة الأمريكية، منها الدبابات الأمريكية، والطائرات التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن، مثل طائرات «إف 15»، و«إف 35»، يعزز من شهية دول «حلف الناتو» على شراء السلاح الأمريكي، وهذا واضح للغاية في مشتريات الأسلحة في دول، مثل بولندا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وليتوانيا وبلغاريا ورومانيا، التي تستبدل كل ما لديها من سلاح، وعتاد سوفييتي وروسي، بسلاح أمريكي جديد، ما جعل شركات السلاح الأمريكية الثماني العملاقة تعمل ليل نهار لتوفير احتياجات دول «الناتو»، من السلاح الأمريكي، ووفق وزارة الخارجية الأمريكية، فقد حقق المجمع الصناعي العسكري الأمريكي أرباحاً تقدر ب81 مليار دولار عام 2023 تزيد بنسبة 50 % عن مبيعات السلاح عام 2022، وأن وارسو وبرلين هما أكثر عملاء شركات السلاح الأمريكية، بخاصة ما يتعلق بشراء المروحيات الهجومية وطائرات النقل وقاذفات الصواريخ بعيدة المدى

خامساً: «زيادة الإنفاق العسكري»

تلعب مثل هذه المناورات الضخمة دوراً كبيراً في تعزيز الرغبة الأوربية على مزيد من الإنفاق العسكري، وقد شهد عام 2023 وصول أكثر من 22 دولة من دولة حلف «الناتو» إلى إنفاق عسكري زادت نسبته على 2% من الناتج القومي لتلك الدول، ما سيرفع ميزانية الإنفاق العسكري لدول «الناتو» بنحو 270 مليار دولار، وكان هذا مطلب أمريكي منذ سنوات طويلة، لأن الولايات المتحدة التي أقرت في ميزانية 2023 -2024 أكثر من 886 مليار دولار للإنفاق العسكري، تشكل نحو 3.7 % من الناتج القومي الأمريكي المتوقع له الوصول إلى 27 تريليون دولار هذا العام، فواشنطن كانت تطالب دائماً، منذ قمة حلف الناتو في ويلز عام 2014 أن تصل نسبة إنفاق الحلفاء في «الناتو» إلى 2% في عام 2022، وبعد الحرب الروسية الأوكرانية قفزت الميزانيات العسكرية لأغلبية دول الحلف مثل بولندا التي ضاعفت من ميزانيتها العسكرية، وألمانيا التي رفعت الميزانية السنوية للجيش لأكثر من 50 مليار دولار، وتخصيص صندوق ب100 مليار أخرى لتطوير قدرات الجيش الألماني، كما أن كندا تقوم بشراء كميات غير مسبوقة من منظومات الدفاع الجوي الأمريكي، وطائرات «إف 35» الأمريكية.

سادساً: إتفاقيات جديدة

الأجواء التي تجري فيها مناورات ضخمة مثل «المدافع الصامد 2024»، تساهم في زيادة وتيرة التعاون العسكري بين مختلف الدول المعارضة لروسيا، ولهذا اتفقت واشنطن ولندن على نشر الولايات المتحدة قنابل نووية أمريكية جديدة، لأول مرة، منذ 15 عاماً في قاعدة لاكينهيث العسكرية في مقاطعة سوفولك الجوية البريطانية، في إطار نشر 54 طائرة أمريكية من طراز «إف-35» قادرة على حمل أسلحة نووية بحلول نهاية العام الجاري، لتحل محل طائرات «إف-15».

سابعاً: «التدريب على بيئة عمليات عسكرية متنوعة»، لأن تحريك قوات «الناتو» من أمريكا الشمالية عبر المحيط الأطلسي إلى أوروبا، ونقل القوات والمعدات بين أقاليم مناخية وطقسية مختلفة يسمح لقوات «الناتو» بأن تكون جاهزة على العمل في «بيئة عسكرية» متباينة، وذات خصائص استراتيجية مختلفة، لأن حلف «الناتو» يرى أن روسيا يمكن أن تهاجم من أقاليم مختلفة، مثل البحر الأسود، أو بحر البلطيق، أو بالقرب من فنلندا والسويد، وبحر الشمال، ما يستوجب الاستعداد في كل هذه الأقاليم بما تحتاج إليه من معدات وأسلحة مختلفة، الأمر الذي يضمن في النهاية قدرة قوات «حلف الناتو» على التكيف مع الظروف الجيو استراتيجية الجديدة التي انبثقت بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

رؤية الكرملين

تنظر موسكو لهذه المناورات بأنها تطور عدائي جديد، ليس له أي علاقة بالمفاهيم الدفاعية، وأن المناورات دليل جديد على عدم رغبة «الناتو» في عودة السلام والاستقرار لأوروبا، وأن واشنطن تستثمر في ترهيب دول «الناتو» من روسيا، وأن اقتراب هذه المناورات من الأراضي الروسية سوف يستدعي رداً روسيا مناسباً، وتنظر لمناورات «المدافع الصامد 2024» على أنه حلقة في الهستيريا الغربية بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأ في 4 يونيو/ حزيران الماضي، وفشل كل محاولات عزل روسيا سياسياً على المستوى الدولي، ونجاح الاقتصاد الروسي ليصبح الاقتصاد الأكبر أوربياً، وتحقيق معدل نمو 3.5 % عام 2023 رغم كل أنواع العقوبات الغربية والأمريكية على روسيا

المؤكد أن «لغة البندقية والرصاص»، لم، ولن تحل مشكلة بين روسيا والغرب، ما يتوجب على الجميع الذهاب للمسار البديل، وهو «الدبلوماسية والمفاوضات»، وهو طريق مهما كان شاقاً فإنه أقل كلفة من الحروب والنزاعات المسلحة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3xt56b67

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"