عادي

هل بدأت حرب الفضاء؟

23:22 مساء
قراءة 4 دقائق
هل بدأت حرب الفضاء؟

كتب- بنيمين زرزور:

تشير بعض التقارير السرية التي يتم تسريبها بين الحين والآخر، إلى أن ميدان المواجهة الأهم بين القوى العظمى انتقل إلى الفضاء بشكل عملي، وأن كل ما يجري على الأرض مجرد فقاعات للتعمية على النشاط العسكري الفضائي لتلك القوى.

أحدث هذه التقارير جاء من شبكة «سي إن إن» الأمريكية التي قالت إن روسيا تحاول تطوير سلاح فضائي نووي من شأنه أن يدمّر الأقمار الصناعية بتوليد موجة طاقة هائلة عند تفجيرها، ما قد يؤدي إلى شل مجموعة كبيرة من الأقمار الصناعية التجارية والحكومية التي يعتمد عليها العالم في ثورته الرقمية.

وكان رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي مايك تورنر، أثار مؤخراً، حالة من الجنون في واشنطن عندما أصدر بياناً قال فيه إن لجنته «لديها معلومات تتعلق بتهديد خطير للأمن القومي».

والحقيقة أن هناك ما هو أكثر حرجاً من مجرد الأمن القومي الأمريكي في الفضاء. فأهميته المتزايدة بالنسبة للاقتصاد العالمي تجعل وجود بيئة مدارية آمنة أمراً حيوياً للجميع. والأهم، أن الذين يعتمدون على الفضاء بشأن قواعد المرور في المدار قلقون جداً من احتمال حدوث صدامات بين المركبات والنفايات الفضائية تترتب عليها تكاليف باهظة.

فقد وسعت الصواريخ منخفضة الكلفة التي أطلقتها شركة «سبيس إكس»، وغيرها، من فرص الوصول إلى الفضاء، حيث تم رصد 212 عملية إطلاق إلى المدار عام 2023، وهذا رقم قياسي مقارنة ب 55 عملية فقط، عام 2005. وينفق المستثمرون الحكوميون، وغير الحكوميين المليارات، لبناء شبكات اتصالات وأجهزة استشعار جديدة في مدار الأرض، والتخطيط لأنشطة جديدة تراوح بين التصنيع في الفضاء، والتجسس، والسياحة.

وصار بوسع دولة، مثل كوريا الشمالية، أن تلتقط صوراً للبيت الأبيض بقمرها الصناعي الجديد المخصص للتجسس. بينما تجري روسيا والهند والصين، اختبارات صاروخية مضادة للأقمار الصناعية، وتكنولوجيا فضائية عسكرية متقدمة. لكن القلق الحقيقي للجيش الأمريكي يتركز على بكين. فالاتجاهات الجيوسياسية التي دفعت الولايات المتحدة والصين إلى حرب تجارية، وسلسلة من النزاعات المتصاعدة حول حقوق الإنسان والسيادة قد عززت إمكانية نشوب صراع بينهما. وهكذا عادت فكرة إنشاء قوة كبرى في مجال الفضاء إلى قائمة أولويات «البنتاغون» للمرة الأولى منذ الحرب الباردة.

مخاوف فضائية

وتصبح هذه المخاطر أعلى بكثير عند التفكير في الحرب في الفضاء. فعندما دمرت روسيا قمراً صناعياً بصاروخ في عام 2021 لإثبات قدراتها، تم رصد 1783 قطعة من الحطام تحلق حول كوكبنا بسرعة تزيد على 17500 ميل في الساعة، كل منها قادر على إتلاف، أو حتى تدمير مركبة فضائية. لذا ستكون عواقب الصراع في الفضاء أسوأ.

وتضخمت تلك المخاوف، هذا الأسبوع، عندما بدأت تقارير استخباراتية تتسرب من واشنطن تتحدث عن التقدم الروسي في الأسلحة النووية الفضائية. ومبعث القلق أن الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، لن تكون لديها وسيلة حقيقية لمواجهة مثل هذا التهديد.

وتعتمد الولايات المتحدة، أكثر من أي دولة أخرى، على أساطيل من المركبات الفضائية المدارية للتواصل مع قواتها العسكرية المنتشرة في أماكن بعيدة، وتوجيه الأسلحة الدقيقة ضد أهداف العدو، واكتشاف تلك الأهداف من خلال المراقبة على ارتفاعات عالية.

ويتضمن السيناريو الكابوس الذي يفكر فيه المخططون العسكريون في «البنتاغون»، سعي الصين للسيطرة على تايوان بالقوة، باستخدام وابل من الصواريخ لتدمير دفاعات الدولة الجزيرة. وتُظهر صور الأقمار الصناعية الجيش الصيني وهو يعيد إنشاء الصور التمثيلية للسفن الأمريكية في الصحراء من أجل تدريب محكم على التصويب.

لكن شن حرب صاروخية على مسافة طويلة هو مشروع فضائي، حيث إن العثور على الأهداف في الوقت الحقيقي وتوجيه الصواريخ في طريقها يتطلب أجهزة استشعار تعمل بالأقمار الصناعية. وفي السنوات الأخيرة، أطلق الجيش الصيني أكثر من 290 مركبة فضائية لهذه الأغراض.

وحرصت كل من روسيا والصين، على إظهار قدرتهما على تدمير الأقمار الصناعية في مدار حول الكوكب باستخدام الصواريخ. هذه الاختبارات المتفجرة، إلى جانب إنشاء بحر من النفايات الفضائية، ذكّرت الأمريكيين بأن أي صراع مستقبلي ستكون ساحته الفضاء.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة أكثر حذراً بشأن قدراتها. وقد اعترفت «البنتاغون» بأن لديه أنظمة يمكنها تشويش وإبهار أجهزة الإرسال وأجهزة الاستشعار الخاصة بالمركبات الفضائية المعادية. ومثلها كمثل الصين وروسيا، فهي تمتلك صواريخ قادرة على إسقاط الأقمار الصناعية من الأرض، على الرغم من أن المرة الأخيرة التي برهنت فيها على هذا النمط من الضربات كانت في عام 2008. والآن يطالب الدبلوماسيون الأمريكيون بوقف اختبارات الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، وأسلحة الأقمار الصناعية التي تولد الحطام الفضائي في محاولة لفرض الإدانة الدولية على الجهود الأخيرة لكل من روسيا والصين.

ويسلط ضباط القوة الفضائية الضوء على أن روسيا أطلقت ما يشار إليه أحياناً، باسم أقمار التفتيش الصناعية، وهو جزء من برنامج يعرف باسم «بيور فيستنك». ويمكن لهذه المركبات الفضائية أن تحلق في مدار معين ثم تنشر مركبات أصغر حجماً يمكنها المناورة بسرعة أكبر في نطاق قريب. وعرضت هذه التكنولوجيا لأول مرة في عام 2017، وبحلول عام 2020، اقتربت إحدى هذه المركبات الفضائية من قمر تجسس أمريكي، ثم نشرت مركبة فضائية أصغر للمناورة من مسافة أقرب. والغرض المرجح هو المراقبة، لكن الجيش الأمريكي يعتبر هذه الأقمار بمثابة أسلحة.

وقد نشرت الصين أيضاً مركبة فضائية قادرة على المناورة حول الأقمار الصناعية الثابتة بالنسبة للأرض، وتعتبرها قوة الفضاء الأمريكية سلاحاً؛ والجدير بالذكر أن المركبات في سلسلة «شي جيان» لديها ذراع تصارع آلي تسمح لها بالاستيلاء على قمر صناعي آخر. ففي عام 2022، التقطت إحدى هذه المركبات الفضائية قمراً صناعياً معطلاً كان جزءاً من نظام تحديد المواقع العالمي الصيني، وسحبته إلى مدار المقبرة - وهي منطقة معترف بها دولياً حول الكوكب حيث تدفن المركبات الفضائية البائدة.

وبما أن الفضاء هو الأكثر سرية عسكرياً حتى من السلاح النووي، يظل الصراع في الفضاء محاطاً بضباب الحرب بشكل أعمق مما كان عليه الصراع على الأرض قبل نصف قرن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5ckscb8s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"