عادي
مجال لتدارك ما فات من أعمال الخير

المراجعة قبل رمضان واجبة

23:44 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني
قريباً يهل علينا شهر رمضان المعظم، الذي جعله الله فرصة لمراجعة النفس والتخلص من الذنوب والآثام، والاعتراف بالخطأ والتوبة النصوح، حيث اختصه الله بليلة خير من ألف شهر، وأكرمه بنزول القرآن الكريم فيه، كما اختصه بفضائل وبركات لم تكن لغيره من شهور العام، ليكون مجالاً للسبق وتدارك ما فات من أعمال الخير، وفيه من البركات والنعم والخيرات والعتق من النيران، والغفران من الذنوب، والعطاء الإلهي ما يجعله يتفوق على بقية شهور العام.

يؤكد د. شوقي علام، مفتى جمهورية مصر العربية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ضرورة أن يستعد المسلم لاستقبال هذا الشهر الفضيل بالتخلق بأخلاق الإسلام، والتخلص من كل صور النزاعات والمشاجرات، واستعادة المودة والرحمة التي غابت عن سلوكيات كثير من الأسر، سواء كانت بين الأزواج والزوجات، أو بين الآباء والأبناء، حتى يؤهلوا أنفسهم وأسرهم لأفضل أداء إيماني في شهر الخير والبركة، فقد جعل الله شهر رمضان شهر هداية ورحمة ومغفرة، والاستعداد لذلك كله من الأمور المهمة، يقول الحق سبحانه: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ».

ويضيف: «واجب كل مسلم أن يؤهل نفسه وأهل بيته لاستقبال هذا الشهر الكريم بأفضل ما يكون التأهيل النفسي والأخلاقي، ففي هذا الشهر تفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين»، فهو شهر خير وبركة ومغفرة ويتجاوز الله فيه عن الذنوب ويغفرها».

وعما تحققه العبادات والطاعات خلال هذه الأيام التي تسبق رمضان يقول د.علام: «كل عبادة يؤديها المسلم لها مقاصد وأهداف ينبغي أن تحققها بالفعل في حياته، فالصلاة لها العديد من المنافع الروحية والأخلاقية والبدنية الملحوظة لكل مسلم، والتي أفاض العلماء وأساتذة الطب البدني والنفسي في الحديث عنها، لكن القرآن الكريم يشير إلى أهم مكاسبها الأخلاقية في قول الحق سبحانه: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»، فبالصلاة ينتهي المسلم عن الفحشاء والمنكر، وبالزكاة يتخلص المسلم من رذيلة البخل ويحس بحاجة الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات، وبالصوم يتعود الإنسان الصبر وسائر خصال البر والتقوى، وبالحج تتم سائر الفضائل الدينية والأخروية التي تغرسها مناسكه في قلب المسلم، وهكذا تثمر العبادات في الإسلام ثمرتها وتؤتي أكلها إذا صدقت بها نية صاحبها.. أما إذا أداها كمجرد عادة يقوم بها، وأفعال جامدة لا روح فيها، فلا وزن لها، ولا ثمرة ترجى من ورائها.

ويقول د. علام: قيمة «الرحمة» من أهم القيم التي تؤسس لاستقرار العلاقات الإنسانية، وهي قيمة لها طبيعتها الخاصة، ولها مراتب ودرجات ومستويات متفاوتة، وتتنوع دوائرها باعتبارها من أصول القيم وكليات الأخلاق العامة، لكونها يتفرع منها جملة كبيرة من القيم، من أهمها: بر الوالدين، وإكرام المرأة واحترامها، وصلة الأرحام، وإكرام الأيتام، والعطف على المحتاجين والضعفاء، والتعاون بين الأصدقاء، والتعاطف بين الجيران وأفراد المجتمع، والشفاعة الحسنة، والصفح عن المخطئ، والعفو عن المسيء، بل تظهر من خلال التشاور بين أفراد الأسرة كلهم، لذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم القدوة العملية العليا في التخلق بهذه القيمة الفضلى، فهو الرحمة المهداة، وهذا مما يؤكد ضرورة تحلي كل فرد من أفراد الأسرة وخاصة الآباء والأمهات بهذه القيمة الجليلة. وتؤكد د. مهجة غالب، أستاذة التفسير وعلوم القرآن والعميدة الأزهرية السابقة ضرورة التأهيل النفسي والأخلاقي قبل رمضان عن طريق التخلص من الخلافات الزوجية وتقول: «على كل زوجين أن يتذكرا أننا في أيام مباركة تفرض علينا أن نتسامح، وأن يعذر بعضنا بعضاً، وأن نبتعد عن وساوس الشيطان، وأن نسمو فوق كل الخلافات، ونتجاوز عن الصغائر، وأن نستعد لاستقبال الشهر الكريم بنفوس مليئة بالرحمة والتفاؤل، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستعد لاستقباله بالدعاء الصادق، حيث كان يدعو ربه وهو في شهري رجب وشعبان قائلاً: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان»، وعندما كان يهل هلال الشهر الكريم كان يقول: «اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام».

ولذلك تقدم د. مهجة نصيحة لكل زوجين مختلفين أو متخاصمين، أو يرغبان في الطلاق «وهو أبغض الحلال عند الله» بمراجعة النفس، والتخلص من العناد، وتقول: «نصيحتي للجميع أن نراجع أنفسنا ونحن نستعد لاستقبال الشهر العظيم، ومراجعة النفس تعني أن نكف عن كل مظاهر قسوة القلب، علينا أن نبدأ صفحة جديدة في علاقاتنا الزوجية، وفي علاقاتنا عموماً مع كل المحيطين بنا والمتعاملين معنا، وأن نتصالح مع الجميع».

وتؤكد د. هند أحمد يوسف، الأستاذة بجامعة الأزهر أن هذه الأيام المباركة فرصة لمراجعة النفس، والتخلص من كل صور القسوة في العلاقات الزوجية والأسرية، وتقول: «هذه الأيام المباركة فرصة للتخلص من كل سلوك مخالف لتعاليم ديننا وفرصة لاستعادة قيم الرحمة والمودة التي جعلها الإسلام أساساً للعلاقات الإنسانية عموماً، والعلاقات الزوجية على وجه الخصوص، وهذه الدعوة لا تخص الرجال الذين يتعاملون مع زوجاتهم بأسلوب بعيد عن تعاليم وأخلاقيات الدين، بل هي فرصة أيضاً لكل زوجة تتعالى على زوجها وتهدر حقوقه، فكل أفراد الأسرة يجب أن يتنافسوا في تطهير النفس من تبعات كل سلوك حرام أو يحمل شبهة حرام».

وتوضح أن الإسلام يفتح أبواب التوبة والتخلص من كل سلوك محظور أو يحمل قسوة، وتقول: «هذه الأبواب مفتوحة في كل وقت، لكنها في مثل هذه الأيام أكثر تأكيداً ورسوخاً، ولذلك ننصح الجميع بمراجعة النفس، وتصحيح كل سلوك إنساني لا يتفق مع تعاليم وأخلاقيات ديننا، ومن يخفى عليه التقييم الصحيح لسلوكه ومعاملاته مع شركاء حياته، عليه أن يسأل العلماء فيما اختلط على أذهانهم من سلوكيات ومعاملات اختلط فيها الحلال بالحرام، فكل مسلم مطالب شرعاً أن يذهب إلى العلماء وليس إلى الأدعياء، فالتعامل مع قضايا الحلال والحرام، والمباح والمحظور، يكون من خلال العلماء، وخاصة أهل الفتوى، وهنا لا يجوز لأحد أن يحكم رأيه وانطباعاته الشخصية في سلوكيات أو تصرفات الآخرين».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdyfxsh5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"