التاريخ يعيد نفسه

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

في عام 1939 قامت ألمانيا بغزو بولندا، ومن هناك انطلقت شرارة الحرب العالمية الثانية، لتكون الأسوأ منذ فجر التاريخ؛ إذ خلّفت عشرات ملايين الضحايا، ونتج عنها حدوث تغيير في الخريطة العالمية، وتشكّل نظام دولي جديد على أنقاض دمار واسع، أتى على دول بأكملها، بعضها أصبح أثراً بعد عين. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه؛ إذ إن ألمانيا تنخرط بقوة واندفاع شديدين، في الحرب ضد روسيا؛ حيث دعمت أوكرانيا، عسكرياً ولوجستياً واقتصادياً، وحشدت الكثير من الدول لمدّها بالقوة، لتصمد أمام الهجوم الروسي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فموسكو كشفت عن تسجيل لضباط ألمان يعتزمون تنفيذ، «من خلف الكواليس»، عمليات مباشرة في الأراضي الروسية، ما يعني، بالضرورة، الوصول إلى نقطة خطرة من المواجهة الكبرى مع الغرب بأكمله في حرب عالمية ثالثة تبدأها برلين.

يبدو أن موسكو أرادت الإفصاح عن التسجيل، الذي ناقش تسليم صواريخ كروز من طراز (توروس) إلى كييف، وتدريب الجنود الأوكرانيين، والأهداف العسكرية المحتملة، ومنها قصف الجسر الرئيسي الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم فوق مضيق كيرتش، لأسباب عدة، منها توجيه صفعة معلوماتية واستخباراتية لبرلين، وإفشال المخططات الألمانية، ومنع الانجرار إلى حرب شاملة تأكل الأخضر واليابس، لأنه في حال شُنت هجمات وتبيّن ضلوع الألمان المباشر فيها، فإن الروس سيكونون ساعتئذ مجبرين على الرد، ما يستدعي دخول «الناتو» وروسيا في ملحمة قد تماهي «الإلياذة والأوديسة» ضراوة وبأساً.

الارتباك الألماني بعد هذا التسريب بدا واضحاً؛ إذ أكد المستشار الألماني شولتز، أن بلاده لا يمكنها اللحاق بركب بريطانيا وفرنسا، وتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، لأن هذه الخطوة «لن تكون مسؤولة»، في محاولة لتهدئة التوتر مع روسيا، وطمأنتها، كما تعهد بالتحقيق في التسريب، لأنه شكل إهانة لألمانيا التي تصدرت، إلى جانب الولايات المتحدة، العداء لروسيا، بعد عمليتها في أوكرانيا، ويكشف أيضاً عن عدم الاحترافية في التعامل مع هكذا أزمة، وخصم مثل روسيا، وهو كما يقول آلان رودير، الضابط الكبير السابق في الأجهزة الفرنسية: «إن التسجيل بهذه الطريقة أقرب إلى عمل الهواة، ومن الغريب أن يأتي من قبل أفراد عسكريين من المفترض أن يكونوا على دراية باحتمال وجود تجسس».

لا يمكن فصل الحاضر عن الماضي، لأنه امتداد له، فإذا ارتُكبت الأخطاء ذاتها التي أشعلت الحرب العالمية الثانية، فلا يُستبعد أن تُشعل الثالثة، فالقوانين التي تحكم العلاقات بين الدول الكبرى ثابتة، ولا تتغير بتغير الزمن، أو التكنولوجيا، أو حتى النُظم السياسية؛ لذا فإنه يتعين على ألمانيا النظر مجدداً في سياساتها، لأنها إن استمرت على هذا المنوال، فإن «الدب» سيفعلها مجدداً، كما فعل ذلك سابقاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4xvvnwjx

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"