مناهضة العنصرية

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في عام 1978 صدر كتاب إدوارد سعيد الأشهر «الاستشراق»، وأثار الكثير من النقاشات في مناطق كثيرة من العالم، ولدى مختلف المفكرين العرب أيضاً، وترك الكتاب أثراً بالغاً، حتى إن مؤلفه أصدر كتابين آخرين كانا بمنزلة جزأين لاحقين للكتاب، وهما «الثقافة والإمبريالية» و«تغطية الإسلام». قبل إدوارد سعيد، كانت هناك دراسات تبحث وتحلل الاستشراق، ولكن إضافة سعيد الأساسية تمثلت في منهجيته والحقول المتعددة التي درسها، والتي تأثرت بالاستشراق بصفة عامة.

ورغم كل هذه النقاشات التي دارت حول الكتاب، فإن تياراً فكرياً عربياً لم يتشكل لمتابعة عمل سعيد، بل إننا لم نلمح عملاً موزوناً في العالم العربي يواصل ما بدأه سعيد، وعندما تبحث الآن عن إرث سعيد ستجد عدة مفكرين من جذور عربية أو إسلامية يشتغلون على موضوع الاستشراق، ولكنهم يعملون في مراكز أبحاث وجامعات أوروبية وأمريكية.

لقد أثّر «استشراق» سعيد والنقاشات التي أعقبته في العقود اللاحقة على تحولات لافتة، فأصبح العديد من المستشرقين يفضلون أن يطلق عليهم مصطلح «مستعربين» بدلاً من نسبتهم إلى مفهوم الاستشراق الذي بات يحيل إلى دلالات سلبية، وهو ما يؤكد أن هناك إمكانية لتغيير قناعات بعضهم عن العرب والمسلمين.

ولعل الميزة الأساسية للكتاب أنه أوضح أن الاستشراق حركة تاريخية منظمة تأسست على فهم خاص، وكثيراً ما يكون سلبياً للعالم العربي الإسلامي، حركة شاركت فيها نخب ثقافية وأدبية وفكرية أنتجت صوراً سلبية، بوعي أو من دون وعي، وكانت تسعى إلى تحقيق أهداف أخرى لا علاقة لها في الحقيقة بالثقافة، وخدمت الاستعمار كثيراً. وهنا بالضبط تكمن الإشكالية، فالكثير من مظاهر العنصرية التي نراها بين فترة وأخرى تجاه المسلمين في الغرب ليست نتاج احتكاكات يومية بسبب تزايد معدلات وجودهم هناك، ربما يكون هذا أحد الأسباب الطارئة، وليست أيضاً نتاج عمل إرهابي يستهدف الآمنين، ربما يكون هذا أيضاً سبباً وقتياً ولحظياً، وإنما يكمن السبب الرئيسي والدائم للعنصرية في ذلك التراث الطويل الممتد من الصور المشوهة والمغلوطة والمرسومة في الأدب والفن التشكيلي والفكر، وحتى السينما والمسرح، وهو تراث يتضخم يوماً بعد يوم، تنتجه النخبة، التي يفترض فيها قدراً من الوعي يتميز بالموضوعية والتسامح مع الآخر وتفهم اختلافه، فما بالنا بالمواطن الغربي البسيط.

تشهد العقود الأخيرة الكثير من المظاهر التي يمكن لنا من خلال التفكير في كيفية توظيفها لمناهضة الاستشراق وإصلاح الصور الذهنية السلبية المرسومة عنا، فالعالم يعيش مؤخراً حركة تنقل ضخمة للبشر، بإمكانها أن تسهم في كسر الحواجز النفسية بين مختلف الأعراق والجنسيات، وإبراز أن ما يجمع بين الناس من مشتركات أكثر مما يفرقهم، وأن الاختلاف أمر طبيعي، وأن الآخر ليس ذلك الوحش المتربص بالذات، والذي ينتظر فرصة الانقضاض عليها وتدميرها. وهناك مواقع التواصل والتكنولوجيا الحديثة التي تمتلك قدرة على التأثير تفوق الإعلام التقليدي والسينما.

إن مناهضة العنصرية ممكنة، وهي بالتأكيد فكرة ناجحة لو اشتغلنا عليها بهدوء ومنهجية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yf7676fv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"