عادي

الشعر الشعبي ابن العربية الفصحى

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالله بلحيف النعيمي

د. عبدالله بلحيف النعيمي

ارتبط الشعر النبطي في الوطن العربي الكبير، وفي شبه الجزيرة العربية تحديداً، بصورة عامة، بالفروسية والفخر والثناء، وقد أسس لقراءة التاريخ وتنقل القبائل، وارتباطهم ببيئتهم، وقدرتهم على العيش، وارتحالهم من مكان لآخر بحثاً عن العيش والأمان.

ورغم أن جذور الشعر المحلي والشعر النبطي ممتدة إلى ما قبل الإسلام؛ إلا أنها بقيت حبيسة الصدور والقرطاس، بعد أن انتشر الإسلام وأصبحت لغة القرآن هي مصدر الشعر وطرب الشعراء، حيث كان للشعر الفصيح سحره وقبوله عند العرب في كل البقاع، بما في ذلك الشعوب التي دخلت الإسلام، وأسهمت في انتشاره وتطوره بشكل كبير، وكانت العرب تجتمع في مكة المكرمة مرة كل عام ويعرض الشعراء أشعارهم، يتباهون بها وبقدرة مفرداتها على التعبير ونقل الصورة من مخيلة الشاعر إلى عامة الناس.

والشعر النبطي أو المحلي أو الشعبي هو عبارة عن كلام ملحون، لا يتقيد بالإعراب والإملاء وقواعد الشعر الفصيح، ويمتاز بنغمته الغنائية وقدرته على ربط الحاضر بالماضي، وكثيراً ما يستخدم أهل جزيرة العرب مفردة «نبطي» من دون معرفة معناها وما تذهب إليه، لأن مصطلح نبطي يعود لمن لا يتحدث اللغة العربية ويحافظ على نمط حياته الأصلي ويفتقد المعرفة والثقافة والتعليم أحياناً، وتعود أكثر التعريفات شيوعاً لمصطلح «نبطي» إلى كلمة «نبط» أي «نبع من»، وربما اشتق من كلمة أخرى، ويعود ذلك إلى أن المفرد المحلي مشتق من مفرد فصيح، نتيجة لهجرات القبائل العربية البدوية من موطنها وتغير لهجتها وأخذها للهجات قبلية محددة.

ولكن لا بد من الإشارة إلى أن المفردات التي يستخدمها الشعراء المحليون بمجملها مشتقة من اللغة العربية الفصيحة، لذلك نجد أن الشعراء الذين امتلكوا القدرة على القول بالشعر الفصيح أكثر تمكناً من الشعر العامي، وأكثر إثراء على الساحة الشعرية، فنجد مثلاً في الإمارات: الماجدي بن ظاهر الذي عاش بين 1781- 1871، والشاعر يعقوب الحاكمي الذي عاش بين 1815- 1905، والأكثر حداثة الشاعر راشد الخضر الذي عاش بين 1905- 1980، هؤلاء وربما آخرون؛ نظموا الشعر العامي وتمكنوا من مفرداته، وكانوا كذلك من الشعراء الإماراتيين الذين أنشدوا بالفصيح الجزل، لذلك ظل الناس يرددون أشعارهم، ولا يزال الشعراء يتداولون سيرهم في كل أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة وفي شبه الجزيرة العربية.

ولقد ساهم في انتشار المفرد المحلي في الشعر العامي انتقاله كشعرٍ مغنى يردده المطربون ويتنافس الملحنون على مزجه بالموسيقى، إلى أن أصبح الشعر المحلي أكثر انتشاراً بين العامة من الناس من المفرد الفصيح، في كثير من الدول العربية، الأمر الذي ساهم في الحفاظ على المفرد اللغوي المحلي.

ويتجلى بوضوح دور جائزة كنز الجيل التي ينظمها «مركز أبوظبي للغة العربية» بدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي في الحفاظ على الموروث الشعري النبطي، ويمثّل هذا النوع من الأدب أهمّ أدوات الديمومة والرقيّ، فمن يمتلك موروثاً حضارياً قادراً على البقاء؛ يستطيع أن يذهب أبعد في صناعة المستقبل، وأهم أدوات الديمومة هي التحفيز والتوثيق وهذا ما تضطلع به الجائزة من خلال دورها الريادي الذي ترسم من خلاله مساراً صحيحاً للحفاظ على هذا الموروث والأدب بشكل عام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2bezbwbm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"