عادي

وانغ شياوبو كاتب صيني يتسكع في دروب الرواية

01:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

عندما تطالع الغلاف الأخير لرواية «الزمن المفقود» للكاتب الصيني وانغ شياوبو، جملة تقول إن «هذه الرواية لا تُقرأ مرة واحدة»، فأنت مطالب بالإصغاء لكل حرف مكتوبة به، لأنك أمام كاتب مختلف تماماً، كما يصفه الدكتور أحمد السعيد مترجم الرواية، فهذا الكاتب كما يصفه مترجمه: «أقرب من اقتحم بعشوائية الدروب السرية للنفس البشرية، ففضحها بلطف، ثم عالجها بعنف، وعاش عمره يكتب للإنسان عن الإنسان، ترى صورته فتحسبه صعلوكاً، يتسكع في أزقة بكين، ثم تطالع ما يكتبه فتنمحي تلك الصورة».

وانغ شياوبو

إنه صعلوك يقطر حكمة، وهائم يحول الغريزة إلى بلاغة، يكتب عن الحب فتفكر في مغزى الحياة وتناقضاتها، يسرد قصصاً عن حياته فلا تعرف إن كان قد تقمص ماركيز في واقعيته السحرية، أم تلبسه برنارد شو في سخريته اللاذعة، هذا الشاب الذي توقف قلبه فجأة، وهو في منتصف عقده الرابع يُعَدُّ – كما يقول أحمد السعيد – من أكثر كتاب العالم تأثيراً، كيف لا وهو ملهم متوج في الصين على قلوب مواليد منتصف السبعينات حتى نهاية الثمانينات، إنه الكاتب الراحل الذي ينافس الأحياء اليوم على لافتات الأكثر مبيعاً في الصين، وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً على رحيله، فإنه لا يخلو عام من طبعة جديدة لأعماله.

بعد هذا التمهيد، ينتقل السعيد للحديث عن حياة شياوبو الذي ولد في بكين عام 1952، وهو العام الذي اتهم فيه والده الذي عمل في فيلق الجيش الصيني طوال عمره بتهمة «معاداة الاشتراكية»، فتكدرت أحوال الأسرة، لكن الظروف تغيرت بعد خمس سنوات، حينما قابل والده، ضمن وفد، زعيم الصين ماو تسي تونج، وانتظم الطفل شياوبو في دراسته الابتدائية، لكن ما هو إلا عام حتى قامت حركة «القفزة الكبرى للأمام» التي لا تخلو كتاباته من الإشارة إليها، وصولاً إلى عام 1968 وهو في الصف الأول من المرحلة الثانوية، حيث اندلعت «الثورة الثقافية الكبرى» وكلف بالعمل في فيلق الجيش الصيني في مقاطعة حدودية.

في عام 1971 انتقل شياوبو إلى معسكر آخر، ليعمل مدرساً لمحو الأمية بالخدمة المدنية، وعن تلك الفترة كتب الكثير من القصص، وبانتهاء الثورة الثقافية وفتح باب القبول بالجامعات، تقدم - بعدما انقطع عن التعليم 12 سنة - لامتحان الالتحاق بالجامعة عام 1978، وقُبِل بجامعة الشعب الصينية، وهو في سن السادسة والعشرين، ثم درس الإدارة حتى عام 1984 وانتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على الماجستير ثم عاد إلى الصين ليعمل محاضراً في الجامعة، ثم استقال من العمل الأكاديمي في عيد ميلاده الأربعين، وتفرغ للكتابة.

*مفكر حر

لكن – كما يقول السعيد – ما هي إلا خمس سنوات من التفرغ، الذي تمناه، حتى جاء يوم الحادي عشر من إبريل عام 1997 وتوقف قلبه فجأة من دون مقدمات، ليفارق الحياة وهو في أوج عطائه، وذروة نضجه الإبداعي، قبل حلول عيد ميلاده الخامس والأربعين، ويوم وفاته كتبت زوجته – وهي أول صينية تحصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من أمريكا – تنعيه قائلة: «أنعي للعالم الفارس الرومانسي، الشاعر المغرد، المفكر الحر شياوبو».

يطلق عليه في الصين أنه «النسخة الصينية من امتزاج كافكا وجيمس جويس» وقد كتب الرواية القصيرة والمقال والشعر، وتشترك أعماله القصصية في أن جميع أبطالها شخصية واحدة تسمى «وانغ أر» وهو يقصد نفسه بهذا البطل الثابت في أعماله، وتتشابه الخلفيات الزمنية والمكانية في أعماله، فهي تدور في الحقبة من تأسيس الصين الحديثة في أوائل الخمسينات، حتى نهاية الثورة الثقافية، وتغيير الأوضاع، وصولاً إلى منتصف الثمانينات، أما الأماكن فلا تخلو من تفاصيل دقيقة لشوارع بكين التي قضى عمره فيها، ومدن أمريكا التي مكث بها سنوات للدراسة.

يقول الدكتور أحمد السعيد: «لا يمكن بأية حال من الأحوال أن نضم شياوبو كأديب إلى تيار أدبي صيني في العصر الحديث، فهو بعض من كل، وجزء متفرد، يأخذ من كل التيارات دون أن ينتمي إليها، يحدثك عن التاريخ فتشعر أنه يمثل تيار البحث عن الجذور، ينتقل لمرحلة ما بعد الثورة الثقافية، وما فعلته في الصين، فتحسبه عضواً في حركة الأدب الثوري الصينية الحديثة، التي تكتب أدب الجراح، يجعل شخصياته تنطق باقتباسات لماركيز وكافكا وشكسبير وغيرهم، فتميل إلى أنه من تيار الحداثة وتغريب الأدب الصيني».

*دور رئيسي

التاريخ أيضاً له دور رئيسي في أعمال شياوبو السردية ومقالاته، ومحركه الأساسي في أعماله دعوته التي يبثها في نصوصه وهي الليبرالية، لذلك فالتاريخ الذي يكتب عنه هو في ذاته تاريخ الفكر الليبرالي في الصين، أحلامه وواقعه، رومانسيته وكوابيسه، وفي هذه الرواية يصحبنا البطل في بكين زمن الثورة الثقافية، حيث أُجبر على الانضمام إلى الجيش، ثم نذهب معه إلى أمريكا، لدينا وانغ أر الراوي الذي يحكي لنا زمنه المفقود.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/9df8s4hh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"