عادي
صدر في الشارقة

«المرأة في البادية».. عطاء لا ينضب

23:39 مساء
قراءة 5 دقائق
خليفة سيف الطنيجي

الشارقة: عثمان حسن

إذا أردنا أن نتعرف إلى المرأة في البادية، خاصة في المنطقة الوسطى بالشارقة، فهناك الكثير عنها في كتاب «المرأة في بادية المنطقة الوسطى»، للباحث خليفة سيف الطنيجي، الذي صدر عن معهد الشارقة للتراث، ويحمل الكتاب مجموعة من القصص عن نساء من صحراء الإمارات، ومن البادية الوسطى في الشارقة بشكل خاص، ممن عاصرن حياة ما قبل النفط، وعشن شظف الحياة، ولكن ذلك لم يمنعهن من تحمل مسؤولياتهن تجاه مجتمعهن وأسرهن.

يسرد الكتاب نماذج من تلك القصص من وحي تجارب حية، رصدها خليفة الطنيجي في رحلة امتدت نحو 35 عاماً مع بيئة البادية ومكوناتها، حيث أدت تلك النساء دوراً متكاملاً ومحورياً، من خلال مرويات تكشف للمرة الأولى عن عطاء لا ينضب.

يشتمل الكتاب على 11 فصلاً، تضمنت مجموعة من الأبواب التي تدرس مجتمع المرأة في البادية، والمرأة من البادية إلى كتابات الرحالة، كما تناول الكتاب محطات من هذه البيئة بين القصص والعبر، وبين الأشعار والأمثال، إلى المهن التي احترفتها المرأة، مروراً بعادات الزواج والزينة للمرأة البدوية، كما اشتملت فصول الكتاب على ذكر مناطق بأسماء سيدات، والتعريف بنساء من هذه المنطقة كانت لهن أدوار متميزة، ومؤسسات تُعنى بهن، وغير ذلك.

  • دور استثنائي

يؤكد مؤلف الكتاب، في إطار حديثه عن البداوة ومجتمعها، دور «القبيلة» المهم، بوصفها وحدة الصحراء قبل نشوء الدولة الحديثة في الجزيرة العربية، ويتحدث بإسهاب عن هذا الموضوع، معرجاً على مفهوم البداوة وخصائصها وملامح مجتمعها، كما يؤكد دور المرأة في البادية بوصفه دوراً استثنائياً، حيث ضربت أروع الصور في البذل والعطاء في مساعدة زوجها، ونسجت بيدها أروع حرفة من حرف البادية وهي «السدو»، وصنعت أثاث الخيمة من فرش ومساند للراحة والنوم، كما غزلت الصوف، وصنعت السجاد والبشت والخيام، كما قامت بأعمال الزراعة ومنتجات الألبان، وظلت على الدوام مثالاً رائعاً للعطاء واليقظة وحُسن التصرف، وكل ذلك نابع من حبها لزوجها وأبنائها وبيئتها.

وقد حظيت المرأة في الشارقة، وخاصة في المنطقة الوسطى، بدعم كبير من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فأطلقت الإمارة العديد من المبادرات في هذا السياق، وجاءت هذه المبادرات إدراكاً لأهمية دورها في بناء مجتمع متماسك ومستقر، وضرورة تمكينها للنهوض بوظائفها المتعددة، لتسهم في تنفيذ خطط تنمية المجتمع وتقدمه.

  • صفات

تتصف المرأة البدوية بمجموعة من الصفات التي ساعدتها على التكيف مع بيئتها الصحراوية، فهي كما تصورها الحكايات الشعبية: «صبورة عاطفية، مطيعة، مضحية، ذكية، وحكيمة، وهي أيضاً خجولة وتنبذ العنف، ولقسوة الحياة البدوية أثر في شخصية المرأة، والتي تستمد مكانتها من نسبها وأصلها، وامتازت على الدوام بدور فاعل ومكانة مرموقة في المجتمع، وقد احتلت مكانة مهمة في النشاطات الاقتصادية والإنتاجية، كما أن إسهاماتها في تأمين احتياجات الأسرة منحتها شعوراً بالاستقلالية والإحساس بالقيمة، مما زاد من ثقتها بنفسها وعدم الاعتماد على الآخرين، وكل ذلك دفعها للاستمرار في وتيرة عالية من النشاط والحفاظ على العادات والتقاليد البدوية الأصيلة.

  • زواج وزينة

يوضح المؤلف كيف كانت تتباين الأعراس عند البدو، لتنوع واختلاف عادات وتقاليد القبائل المتناثرة بين أرجاء الوطن العربي، ورغم هذا التباين تبقى هناك قواسم مشتركة في هذه الأفراح، فهي عناوين للفرح والبهجة، وما بين بادية وأخرى، ترتسم ملامح تلك الحياة، فمن الحياة البسيطة استلهموا الكرم وحسن الضيافة واستقبال الضيوف والترحيب بهم، كما يفصل في موضوع تزين المرأة، وهو صفة محببة عند النساء في كل الأزمان، وهو طبع وصفة ملازمة للنساء لكي يظهرن في صورة مبهجة أمام أزواجهن، وقد كانت مصادر الزينة بسيطة في الإمارات، وهي مستخلصة من الطبيعة، ومن أبرز المستحضرات الطبيعية عند المرأة الإماراتية الكحل العربي الذي يُكسب المرأة جمالاً أخاذاً وبريقاً نادرين.

ومن أدوات الزينة الحناء الذي يُستخدم على نطاق واسع في منطقة الخليج العربي، والكثير مما تناقلته الذاكرة الشفاهية في الإمارات، يؤكد أهمية الحناء وفوائده، كما أنه بحسب بعض المصادر يقلل من حرارة الجسم في فصل الصيف، وعند الإصابة بالمرض أيضاً.

  • في كتابات الرحالة

يُبرز الطنيجي الكثير من القصص التي وردت على لسان الكثير من الرحالة والكتاب الأجانب، وهي كتابات أنصفت المرأة البدوية، ومن هؤلاء الرحالة ماكس فون أوبنهايم الذي كتب عن حياة البدو، من خلال رحلاته التي استغرقت أربعين عاماً في العراق وسوريا وشمال الجزيرة العربية ووسطها والأردن والحجاز وفلسطين وسيناء وشط العرب، وقد أبدى أوبنهايم إعجابه باحترام الرجال في البادية للمرأة حتى من قبل الأعداء، كما تحدث عن المشاق الملقاة على عاتقها، وأبرز المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها البدوية في مجتمعها.

ومن القصص التي يوردها المؤلف ما قاله الرحالة ويلفرد ثيسجر المعروف ب«مبارك بن لندن»، وجاء فيه: «إن الاعتقاد السائد بين الشعب البريطاني هو أن النساء العربيات لا يخرجن من بيوتهن، وهو اعتقاد صحيح بالنسبة لكثير من النساء في القرى، لكنه ليس صحيحاً بالنسبة لنساء القبائل، إذ يستحيل على رجل أن يغلق على زوجته في خيمة لها باب مفتوح دائماً، إنما يطلب منها أن تشتغل وتجلب الماء والحطب وترعى الماعز».

كما يسرد الطنيجي في الكتاب الكثير من القصص والروايات التي جاءت على لسان كُتاب ومستشرقين أجانب، تصور المرأة البدوية في صورة ناصعة من الجَلَد وتَحمُّل تبعات القسوة في العيش، لكنها مع ذلك كانت على قدر المسؤولية، مع ما تتميز به من صلابة وحيوية.

ويتحدث الكتاب عن الكثير من قصص الشجاعة وبطولات المرأة في البادية، فهناك نساء سطّر التاريخ سيَرهن في ذاكرة الوطن، وهناك من غاصت بحثاً عن اللؤلؤ بدلاً من شقيقها المريض، ومن ردت وخيذ الإبل، ومن تولت تجارة اللؤلؤ بعد وفاة زوجها، كما يتحدث المؤلف عن قصص مماثلة في كثير من الحارات كحارة الطنيج الشعبية، وكلها قصص ملهمة عن نساء بدويات ملهمات تستحق سيرهن أن تروى جيلاً بعد جيل.

اقتباسات

  • كانت الأعراف القبلية في البادية تؤدي دوراً في عملية الضبط الاجتماعي والقيمي.
  • البدو يستمدون استقرارهم وقوتهم ووجودهم من دساتير يتوارثونها شفاهة جيلاً بعد جيل.
  • معظم البدويات لديهن رصيد كبير من الحكايات الشعبية المشوقة التي يروينها لبناتهن.
  • تتصف المرأة البدوية بكثير من الصفات ساعدتها على التكيف مع بيئتها الصحراوية.
  • للمرأة البدوية دور بارز وعميق عمق الزمان والمكان في عملية البناء المجتمعي والتأسيس لحياة كريمة.
  • قيام الاتحاد عزز مكانة المرأة ورفع من شأنها، ووضع أطراً قانونية وتشريعية تسمو بمكانتها.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3728c4pw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"