الجناح الوطني الإماراتي، يشارك في بينالي البندقية للمرة الثامنة، وفي كل مرة هناك بصمة فنية إماراتية بطابع جمالي عالمي، وهذه المرّة تتمثل (البطولة) الإبداعية الإماراتية في معرض الفنان عبدالله السعدي الذي استقطب أكثر من 300 ألف زائر في بينالي عريق يعود في تأسيسه إلى عام 1895.
هذه الإبداعية الفنية، الثقافية والتشكيلية ليست جديدة ولا غريبة على السعدي ابن بيئة وجماليات خورفكان، الفنان الهادئ، بل، الأقرب إلى الكائن الجمالي الصموت شأنه شأن طبيعة الحجارة، والأشجار في خورفكان، وفي بيئتها الجغرافية والبصرية توصل إلى خصوصيته التشكيلية في بلده الإمارات، وبالتدرج، نقل هذه الخصوصية إلى العالم.
عن عمله الفني أو معرضه في البندقية يقول عبدالله السعدي: «عملي يعتمد على قطبين: رحلاتي إلى البرّية، ثم، الاستوديو الذي أحفظ أعمالي فيه وأوثّقها»، وبالمناسبة، السعدي قليل الكلام، لكن لديه (رادار) إصغاء يلتقط لغة الأشياء والكائنات، وما بعد اللغة المباشرة التي يبحث عنها فنان البرّية هذا وهو يقود دراجته، أحياناً، وأحياناً، وهو يمشي، «مشّاء الجبال والحجارة»..
عرفت عبدالله السعدي منذ أوائل تسعينات القرن العشرين، أولاً في بيت حسن شريف في منطقة السطوة في دبي، ثم، عرفته في خورفكان، وذات يوم أخذتنا رحلة صغيرة في محاذاة البحر، وطوال الوقت كنت أتأمّله كيف يتصرّف، ويتكلم ويعمل.
حين كان عبدالله السعدي يزور حسن شريف، لم يكن يمكث طويلاً بعيداً عن خورفكان. ليلة واحدة تكفي ويعود إلى دياره ليكتب رسائل إلى أمّه، أو يضع لها أشياء صغيرة على الباب حين لا يجدها في بيتها، تلك الأشياء هي علامات ورسائل، وفي ما بعد قام بتوثيقها وحفظها ربما في صناديق أو في لفافات من الورق أو الخيش، ولم يفرط حتى بقطعة حجر، كما لو أن تلك هي فقط ممتلكاته ومدّخرات عمره..
له تجربة أخرى في الكتابة. لقد حوّل الكتابة إلى عمل فني، ومرة ثانية، بالفطرة والصمت، وهو بالطبع لا يرتدي ثياب الكاتب ولا يضع على رأسه قبعة فيلسوف، وأحياناً، يبدو وكأنه يستثقل كلمة فنان، هو الفطري، والبرّي، الذي يفضل الحصان على العربة، ويطرب لحياة الدراجة والدرّاج في الهواء الطلق في خورفكان.
هذه الشخصية الهادئة، العميقة في صمتها وتأمّلها الإصغائي الذكي تجذب إليها الآلاف من أذكياء الفن والثقافة في البندقية، وهم قد لا يعرفون تلك الطبيعة الجغرافية والجمالية التي جاء منها هذا الفنان، لكنهم عرفوا إنسانية فنّه، عرفوا رحلاته ودرّاجته. عرفوا هذا (الاستوديو) المادي والمعنوي الذي وضعه في البندقية بكل ما فيه من ذاكرة، وبكل ما فيه من نسيان.
الإمارات، ومن خلال جناحها الوطني بمعرض ابنها المبدع عبدالله السعدي تقول للعالم: «الفن أصل الحضارات».
https://tinyurl.com/5bdttwwv