طريق الحرير الجديدة

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

من الشارقة إلى تونس، ومن نواكشوط إلى الرباط، ومن القاهرة إلى عمّان، خريطة طريق ترسم نقاطها واتجاهاتها دائرة الثقافة في الشارقة، لا بل هي خريطة عالمية أيضاً، فمن الشارقة إلى فرانكفورت، وباريس، وروما، وغيرها من عواصم العالم حيث تحضر عاصمة الثقافة العربية ضيف شرف في هذه المدن الكبرى ومعارض كتبها التاريخية بانتظام وبأداء مهني رفيع المستوى.
وإذا كانت طريق الحرير ماثلة في ذاكرة العالم إلى اليوم بوصفها مسارات تاريخية لانتقال التجارة والمال والأعمال في التوصيف الاقتصادي، فإن طريق الثقافة التي عيّنتها الشارقة في العالم هي مسارات للآداب والفنون والكتاب وصناعة النشر والتعريف المنتظم بالثقافة الإماراتية والعربية في خريطة العالم. هذه هي طريق الحرير الثقافية العالمية الجديدة ونقطة بدايتها من الإمارات، ومن الشارقة عاصمة الكتاب والمسرح والفنون الجمالية الذوقية والمعرفية.
تتبادر إليك هذه الأفكار وأنت تُعاين نشاط دائرة الثقافة في الوطن العربي من أجل هدف نبيل أولاً وأخيراً هو تكريم الكتّاب العرب في بلدانهم، حيث حق الكاتب وهو في الستين أو السبعين أو الثمانين من عمره يأتيه إلى بيته وإلى دياره بعدما أمضى حياته وهو يكتب ويقرأ ويبحث ويحقق ويدرس ليلاً ونهاراً بصمت وعصامية واحترام لذاته الأدبية المستقلة.
الأهمية الأدبية والأخلاقية لجائزة التكريم التي تمنحها الشارقة للكتاب العرب الذين دخلوا الشيخوخة وهم يتكئون على إرثهم الثقافي الشخصي لا تقوم على آلية الترشيح، بل تقوم على الاختيار المستند إلى الموضوعية وإلى تاريخ كل كاتب وتراثه وسيرته الأدبية.
تختار دائرة الثقافة شخصيات أدبية محترمة وفق نظام موضوعي وعادل، ثم يذهب فريق عمل الدائرة، وعلى رأسه دائماً عبد الله العويس، رئيس الدائرة إلى الكتّاب العرب في أوطانهم، وهناك، وبالتنسيق المنظم بين الدائرة والوزارات والمؤسسات العربية المعنية بالثقافة يجري الاحتفاء برموز إبداعية عربية وربما كان البعض منهم يحظى للمرة الأولى في حياته بجائزة تعينه على حياته في شيخوخته ليظل مستقلاً، مرفوع الرأس وهو يرى أن هناك من تَذكّره وتذكر نتاجه الأدبي، وأن تعبه الأدبي لم يذهب سدى، بخاصة أن القيمة المعنوية والرمزية للتكريم هي في الواقع تحية عظيمة للكاتب العربي بين أولاده، وأحفاده.
كتبت بهذا المعنى المعنوي مرّات عدّة، غير أن المهم هنا هو هذه الطريق التي رسمتها وترسمها الشارقة في الوطن العربي، وفي العالم، طريق الحرير الذي هو أغلى وأبقى من الحرير الصناعي والطبيعي؛ ذلك أن الثقافة في حقيقتها هي الأغلى وهي الأبقى، والمال يأتي ويذهب، وتجّار القماش والذهب والفضة بالملايين حول العالم، لكن شاعراً واحداً، على سبيل المثال، قد يملأ العالم بكنوز الأدب واللغة والفكر أكثر من امتلائه بالصيارفة وأرباب القرش والدولار.
هذه طريق الشارقة.. هذا حريرها الجميل.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"