كنت أقرأ مقالة صالح الخريبي التي كان يوقّعها باسم (أبو خلدون) كواجب يومي، ولم يكن ذلك الواجب ثقيلاً أو مشوّشاً، فهي مقالة السهل الممتنع والممتع أيضاً، والأكثر إمتاعاً فيها معلوماتها العلمية أحياناً، وأحياناً التاريخية والأدبية في قالب قصصي أو شبه قصصي، وأحسبه، كان يكتب مقالته (فنجان قهوة) في زمن تحضير هذا الفنجان أو في زمن شربه في الصباح عادة على طريقة أهل القهوة وعشاقها من الكتاب والقرّاء.
كان (أبو خلدون) قارئاً بلغتين.. العربية، والإنجليزية، ومن العام ١٩٦٥، وحتى أواسط التسعينات عمل في الصحافة الكويتية بل هو واحد من مؤسسي صروحها المهنية المحترمة، وهي الفترة التي شهدت عمل بعض الصحفيين المصريين واللبنانيين في الكويت، ومع ذلك، وللأسف، لا يذكره الآن بعض زملائه في تلك الفترة ممن هم على قيد الحياة وقيد الكتابة، وأجزم، أن صالح الخريبي لو كان بيننا الآن، ما كان أمر أولئك الزملاء القدامى يهمّه من بعيد أو قريب فقد كان يعمل وهو صامت، ورحل وهو صامت، ولم تكن الشهرة الصحفية الطاووسية تهمّه لا في الليل ولا في النهار، لا بل اختار أن يكتب مستعيراً (أبو خلدون)، كما لو أنه كان يختبئ في تاريخه الشخصي البسيط، ولا يريد مجداً من صحافة أو من منصب أو مال، لكي يختم حياته شريفاً ونقياً في الشارقة في العام ٢٠١٠، ومن باب الوفاء وكرم الروح الإنسانية الرجولية قام زميلنا في «الخليج» الأستاذ والمؤسس أيضاً عبدالرزاق إسماعيل بجمع مختارات من مقالات صالح الخريبي وأعدّها للنشر لكي تصدر في كتاب عام ٢٠١٠ من مركز الخليج للدراسات، ويشكل هذا الكتاب، في رأيي المتواضع، مدرسة صحفية في كتابة المقالة اليومية المحترمة والنقية كما هي روح (أبو خلدون)، وقد جاء إهداء المركز مكثّفاً تماماً في هذه العبارة.. (إلى روح الزميل الراحل صالح الخريبي الذي عاش رمزاً لكل ما هو طيّب ومحترم ونقيّ)، أما عنوان هذا النقاء فكان يتكشّف أيضاً في عبارته اليومية الصباحية والمسائية التي كان يلقيها على زملائه في «الخليج».. «هلا بالحبيب».
أصبحت «هلا بالحبيب» لازمة يومية في صالة التحرير الكبرى في «الخليج».. ومن كان حبيب صالح الخريبي؟.. كل من كان يصادفه في ممّرات الجريدة كان حبيبه... بدءاً من عمّال الخدمة وإلى كل مدير ومحرر ورئيس قسم، ومخرج، ومصحّح، ومنفذ.. وربما انتهاءً به، فإذا لم يجد أحداً يقول له: (هلا بالحبيب).. قالها لنفسه.
طاقة من المهنية، والفكر، والكتابة، والترجمة وصناعة صفحات يومية خالية من أي خطأ مطبعي أو لغوي أو علمي كان صالح الخريبي.. ولم أعرفه أنانياً، أو حسوداً، لصحفي أو كاتب أو مدير في «الخليج» وفي أية صحيفة عربية، وكان لهذا الرجل ولع بالشعر والأدب، وإن لم يخنّي حدسي، فإنه كان يكتب الشعر في مرحلة من شبابه، غير أن روح الشعر موجودة في مقالاته.. لكن مما لا يعرفه الكثيرون أن لصالح الخريبي مؤلفات سياسية معتبرة: «الدولة الفلسطينية ومشروع الملك حسين»، وترجم كتباً مهمّة منها: «ضفادع وعقارب - السادات والسلام وأجهزة الإعلام»، «الحجاب»، و«نحو سلام شامل في الشرق الأوسط»..
«هلا» دائماً وأبداً بالكبار.. الواحد منهم يرفض أن يصغر من جبل.. إلى حصاة.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







