عملية تطابق العاملين مع فرص العمل

22:05 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود حنفي *

في أعقاب الركود الكبير أصبح هناك أكثر من 200 مليون شخص في أنحاء العالم بلا عمل وكانت إعادتهم الى سوق العمل من جديد هي أكثر مهام السياسة الاقتصادية إلحاحاً آنذاك.
والآن في حرب الإنسانية الضروس ضد جائحة كوفيد-19 أسفر عنها ما يسميها بعض الباحثين بجائحة البطالة، التي تحتدم بلا كابح وتهزم حكومات لم تستعد لها. وسبق أن عالجت عدة دراسات تسعى إلى تكوين فهم أفضل لعملية تطابق العاملين مع فرص العمل. وأكدت تلك الدراسات الدور المهم لعدم اكتمال المعلومات، فلم يكن أصحاب العمل متأكدين تماماً من قدرات العاملين المرتقبين، ولم تكن لدى العاملين معلومات كاملة عن فرص العمل مما أدى إلى حدوث احتكاكات جوهرية في أداء سوق العمل. ووضع مفهوم «دالة المطابقة».
ويستخدم خبراء الاقتصاد مفهوماً يعرف باسم دالة الإنتاج للتعبير عن العلاقة بين المدخلات والمخرجات؛ فالتقدم التكنولوجي يمكن أن يحقق المزيد من الناتج باستخدام المدخلات نفسها واعتبرت تلك الدراسات أن عدد العاطلين عن العمل وعدد الوظائف الشاغرة هي مدخلات في إيجاد فرص العمل وتتوقف درجة النجاح في ترجمة المدخلات إلى فرص العمل على مقدار المعلومات غير الكاملة. وأدت تلك الدراسات بشأن دالة المطابقة إلى تجديد الاهتمام بمنحنى بفريدج وهو منحنى العلاقة بين البطالة والوظائف الشاغرة. والعلاقة ذاتها كان يرصدها الاقتصادي والمصلح الاجتماعي البريطاني ويليام بفريدج في أربعينات القرن العشرين: عندما كان الاقتصاد مزدهراً، كانت البطالة منخفضة والشواغر كثيرة. وكان العكس بالعكس في فترة الركود. طرحت سياسات تساعد العاطلين عن العمل على العودة إلى سوق العمل.
وهذه السياسات تعرف بأنها سياسات سوق العمل الفعالة تؤثر في الحوافز التي تدفع للعاملين للبحث عن الوظائف وقبولها.
وهذه السياسات ينبغي أيضاً أن تحف البحث عن العمل بكثافة أكبر الذي يمكن أن يحول منحنى بفريدج نحو المنشأ ويحسن أداء سوق العمل في مطابقة العاملين مع الوظائف. وفي جائحة كوفيد–19. اتجهت واشنطن إلى معالجة المشكلة بإنفاق المال، فقد خصصت 600 دولار أسبوعياً (وهو مبلغ غير مسبوق) لكل عامل فقد عمله بسبب جائحة كوفيد-19، لكن المشكلة كانت سريان إعانات البطالة الفيدرالية سينتهي في 31 يوليو 2020 ومن ثم جرى مناقشة رفع المبلغ.
ويطرحون مثالاً بشخص يجهز الطاولة لتناول العشاء في يوم عطلة ثم أدرك هذا الشخص أنه أعد ثلاثة أماكن زائدة عن الحاجة ومن ثم سيرفع تلك الأطباق الزائدة عن الحاجة وهكذا يبدو أن سوق العمل في الاقتصادات المتقدمة يكرر هذا الجهد الضائع كل شهر. ففي أغسطس 2010 ألغى الاقتصاد الأمريكي 100 ألف وظيفة. إن هذا الخفض الصافي لعدد 100 ألف وظيفة أجري بإنشاء 4.1 مليون وظيفة جديدة وهدم 4.2 مليون وظيفة موجودة. وبلغة الاقتصاديين فإن التغير الصافي في عدد الوظائف يتضاءل من خلال إجمالي التدفقات من البطالة إلى العمل (خلق الوظائف) ومن العمل إلى البطالة (هدم الوظائف). وبدأت هذه الحقائق عن ضخامة إجمالي التدفقات تعرف في تسعينات القرن العشرين وظهر أن سوق العمل كان بالفعل مكاناً ديناميكياً ينشأ ويدمر فيه الكثير من الوظائف المطابقة للمهارات كل شهر.
وتبين من تلك الدراسات أن سياسة مصممة لحماية العاملين من البطالة يمكن أن تصبح ذات تأثير متناقض بمرور الوقت فتؤدي غالباً إلى إطالة مدة البطالة من خلال تأثير سلبي على توفير الوظائف مما دعم مقولة «حماية الموظفين لا حماية الوظائف» وبذل جهد كبير لحماية الوظائف الموجودة من خلال القيود الزائدة على تسريح العمالة يمكن أن يعرقل توفير الوظائف الضرورية في اقتصاد ديناميكي. كما أن الحماية الزائدة عن الحد للوظائف يمكن أيضاً أن تؤدى إلى ارتفاع بطالة الشباب. فالشباب لا يعرفون بعد في أي مجال يبرعون أو ما العمل الذي يؤدون القيام به، بينما أصحاب العمل ليسوا متأكدين من مستوى أدائهم. ومن ثم فبالنسبة للشباب العاملين يرى اقتصاديون أنه ينبغي الاهتمام بمنحهم فرصة البحث عن عمل. ويذهبون إلى أن تشريع الحماية الوظيفية «يساعد العاملين الذكور الأكبر سناً، ولكنه يضر بالعاملين الآخرين كالنساء والشباب، الذين ينضمون إلى القوة العاملة وينفصلون عنها على نحو أكثر تكراراً».

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"