خطورة الفساد وضرورة محاربته

02:07 صباحا
قراءة 5 دقائق

يتبين للمجتمع الدولي أكثر فأكثر أهمية، بل ضرورة محاربة الفساد لتحقيق النمو . فالمرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند جعل الفساد من أهم المشكلات التي تعانيها فرنسا، علماً بأن الفساد الفرنسي أدنى بكثير مما نعرفه في لبنان أو في العالم العربي عموماً . في مؤشر الشفافية العالمية الذي يقيم 182 دولة، تقع فرنسا في المرتبة 25 مقارنة بالمرتبة 54 للكويت، 56 للأردن، 112 لمصر و134 للبنان . لا شك في أن من أهم أسباب الانتفاضات الشعبية العربية هي الفساد السياسي والمالي الذي تزايد في غياب الديمقراطية وانعدام الشفافية والمحاسبة . هنالك شعوب عربية تعي وجود الفساد، إلا أنها تغض النظر عنه آنياً لأنها تستفيد من التقديمات والخدمات الاجتماعية والحياتية السخية وأحياناً المجانية . فشعوب اليوم عموماً لم تعد تقبل بالفساد، بل تعي سيئاته وتحاول التخلص منه . أملنا ألا ننتقل عربياً من أنظمة فاسدة إلى أخرى لا تقل فساداً، فهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجهنا .

روسيا، وكما يعلن الرئيسان ميدفيديف وبوتين، تعاني الفساد، أي تقع في المرتبة 143 في مؤشر الشفافية . من أسوأ مظاهره تضارب المصالح الذي منع الاقتصاد حتى اليوم من إعطاء نتائج أفضل .

يقول الرئيسان إن روسيا تحتاج إلى منافسة أكبر، ليس في السياسة فقط وإنما في الاقتصاد أيضاً . تحتاج روسيا إلى تطبيق القوانين واحترام المؤسسات كما إلى تعزيز الانفتاح الاقتصادي والمحاسبة والشفافية في كل شيء . مازال الاقتصاد الروسي يعتمد على النفط للإنفاق، حيث يشكل أكثر من ثلثي الصادرات ونصف الإيرادات الرسمية . 85% من الصادرات الروسية هي من المواد الأولية مما يشير إلى سوء تنوع الاقتصاد بعد سنوات من الانتقال إلى النظام الاقتصادي الحر . عندما أتى الرئيس بوتين إلى الحكم، كان سعر البرميل 27 دولاراً واليوم أعلى بكثير . مشكلات روسيا هي طويلة الأمد، إذ تحتاج إلى توفر سعر 125 دولاراً للبرميل الواحد لتحقيق التوازن المالي، في وقت يشيخ فيه الشعب وترتفع تكلفة التقاعد والضمانات المرتبطة به . فهل هنالك ما يضمن بقاء سعر البرميل مرتفعاً في وقت يتم خلاله اكتشاف موارد جديدة مع طلب خجول باستثناء آسيا؟ من ناحية أخرى، إنتاجية العامل مازالت ضعيفة مقارنة بالغرب، إضافة إلى غياب الاستثمارات في الصناعة والزراعة والخدمات . لا تكفي الاستثمارات في النفط وحدها لتحقيق النمو الطويل الأمد، بل التنمية الحقيقية للجميع .

لم تكتف روسيا بإهمال الاصلاحات الاقتصادية والادارية والسياسية، بل دخلت في حروب عدة أهمها في مواجهة جورجيا مما أثر سلباً في الأداء الاقتصادي . ارتفع الناتج 9 مرات بدولار اليوم خلال 9 سنوات . يبلغ الناتج الفردي نحو 12 ألف دولار أي نحو ربع الأمريكي . من أهداف الإدارة الجديدة للرئيس بوتين رفع الناتج الفردي إلى نصف المستوى الأمريكي قبل سنة 2020 . فهل يستطيع تحقيق الهدف بالرغم من التحديات التي يمكن تلخيصها إضافة إلى الفساد، بتردي نوعية البنية التحتية خاصة الطرق، ضعف الاستثمارات من الناتج مقارنة بالدول المجاورة، عدم القيام بإصلاحات كافية في قطاعات أساسية كالتعليم والصحة وتحديث القوانين . ما زالت الادارة العامة في انتاجيتها وسوء أدائها تشكل عائقاً أمام التقدم وأمام التنفيذ المقبول للسياسات الحكومية . إضافة إلى التضخم المرتفع المقدر ب15%، تسيطر 5 مصارف رسمية على القطاع مما يؤكد سوء الأداء في الأسواق التنافسية . العامل الإيجابي الأساسي هو انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية بعد سنوات من الجهد، مما يجعلها مقبولة أكثر في المجتمع الدولي بحيث يرتفع نموها السنوي بين نصف وواحد في المئة كنتيجة مباشرة للعضوية .

الصين دولة أدهشت العالم في نموها وأصبحت مضرب مثل للتضحيات المجدية والناجحة . تدخر الصين نصف ناتجها بالرغم من المستوى المتدني للناتج الفردي . ترافق التحرير المالي المتواضع مع زيادة في المنافسة والتنافسية في الاقتصاد مما أبقى على النمو قوياً، أي عكس ما حصل مع اليونان . تقع الصين في المرتبة 27 في مؤشر التنافسية الدولي السنوي الذي يصدره مؤتمر دافوس . فنمو العشرة في المئة لسنوات طويلة فريد من نوعه مما جعلها الاقتصاد الثاني في العالم وقريباً جداً الأول، أي ستتفوق على الولايات المتحدة خلال أقل من عقد من الزمن، لكن الاقتصاد الصيني ليس مثالياً، إذ تبقى له مشكلات كبرى أهمها الفساد المقنع بالسياسة وسوء توزع الدخل وارتفاع الفقر في المناطق الريفية وسوء التقديمات الصحية، كما الكثير من التحديات في قطاع الطاقة والتأثير على البيئة . المطلوب من الصين اليوم، وبسبب دورها الدولي المتزايد، أن تنشط استهلاكها لمصلحة الاقتصاد العالمي . نسبة الاستهلاك من الناتج لم يتعد ال50% بعد، والمطلوب غربياً رفعه إلى حدود 70% عبر تعديل سعر الصرف، لكن المشكلة تكمن في اقناع المواطن بتغيير عاداته الادخارية التي مارسها لعقود إن لم يكن لقرون .

توافر الفساد وبالدرجة التي ينتشر فيها لا يرتبط بالضرورة بالغنى المادي، بل يتعلق كثيراً بالثقافة والتاريخ والقوانين . رواندا دولة إفريقية فقيرة تناضل من أجل النمو وتنعم في نفس الوقت وتاريخياً بفساد قليل جعلها تحتل المرتبة 49 في مؤشر الشفافية . بالرغم من الكثير من التقدم، ما زال الروانديون فقراء ويعتمدون إلى حد بعيد على الهبات الخارجية . إنتاجها وصادراتها الأساسية هي البن، أي غير متنوعة وإيراداتها الرسمية ضعيفة وتحتاج إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية . طقسها رائع وتجذب السياح وفي مقدمهم الألمان بالرغم من أنها كانت تحت الاستعمار البلجيكي . يهدف مشروع الدولة لسنة 2020 إلى نقل الاقتصاد من وضع فقير إلى متوسط . تكمن المشكلة في التمويل الذي تحتاج إليه البلاد ليس فقط لتطوير البنية التحتية وإنما أيضاً لتعزيز الموارد البشرية .

بسبب الأزمة المالية العالمية انخفض النمو الرواندي السنوي من 11% في سنة 2008 إلى نحو 4% في سنة 2009 مما فرض تدخلاً سريعاً من الحكومة لتنشيط الاقتصاد . ما زالت الزراعة تشكل ثلث الاقتصاد ويعيش منها نحو 80% من المواطنين . في التقديرات، نما الاقتصاد بنسبة 6% في سنة 2010 وبنسبة سنوية تتراوح بين 6 و7% للسنوات التي تلي . من العوامل الإيجابية الجديدة، تحسين المناخ الاستثماري وتطوير الأسواق المالية والتنويع التدريجي للصادرات إضافة إلى استثمارات عامة حديثة في البنية التحتية . ما يميز رواندا أيضاً هو عدم حاجتها للاقتراض من صندوق النقد، كما هو حال الدول الأوروبية، كل هذا ضمن الحفاظ على فساد مضبوط بل غير متزايد .

الفساد يعيق التطور، أي يضرب النمو والموازنات ويوسع فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء . في باكستان مثلا، وحدهم 15 مليون شخص من أصل 179 مليوناً يدفعون الضرائب مما يجعل الاقتصاد غير الرسمي أو اقتصاد الظل يشكل نحو 36% من الناتج . باكستان ليست وحدها التي تحتوي على قطاع غير رسمي كبير، اذ تبلغ نسبته من الناتج 44% في روسيا، 39% في البرازيل، 35% في مصر، 31% في تركيا، 22% في الهند و 13% في الصين . حتى في الدول الغربية ينتعش القطاع غير الرسمي للتهرب من الضرائب إذ يصل إلى 9% في الولايات المتحدة، 16% في كندا، 27% في إيطاليا و28% في اليونان . تهتم الحكومات بتصغير هذا القطاع لزيادة ايراداتها وتمويل إنفاقها، لكن النشاط غير الرسمي بالتعاون مع الفسادين السياسي والإداري يبقى كبيراً وقوياً . يرتبط اقتصاد الظل بالنشاطات الممنوعة التي تزعزع هيكلية الانفاق العام، أي عوض الانفاق على الحاجات المعيشية الأساسية تضطر الدول إلى إنشاء السجون وتعزيز الشرطة، كما وسائل المكافحة والرقابة .

مفكر اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"