حال المعارضة الموريتانية

05:43 صباحا
قراءة 4 دقائق

على الرغم من الزلزال السياسي الذي هز موريتانيا بعد انقلاب السادس من أغسطس/آب الماضي، فإن أحمد ولد داده لا يزال متمسكا بلقب زعيم المعارضة الذي كسبه بعد احتلال حزبه للمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لنهاية سنة ،2006 وفشله في الانتخابات الرئاسية في ربيع سنة 2007.

ويرى عدد من المراقبين أن هذا اللقب أخذ بصورة كاريكاتورية عن التجربة الموريتانية التي تعرف قطبية ثنائية بين حزبين كبيرين لا يتناوبان على الحكومة فحسب، بل يتناوبان كذلك على المعارضة. وعندما يعامل زعيم حزب المحافظين أو زعيم حزب العمال كزعيم للمعارضة الموريتانية، فإنه يستند في ذلك إلى ما يقارب نصف أعضاء الهيئة التشريعية. أما زعيم المعارضة في موريتانيا فلم يحصل إلا على أقل من 15% من المقاعد النيابية. وبالإضافة إلى ذلك فإنه لم يصنف وحده في المعارضة الموريتانية، وعلى هذا الأساس تحركت أوساط موريتانية معارضة في نهاية سنة ،2007 مطالبة بتعديل النصوص المنظمة لوضعية زعيم المعارضة والمحددة للامتيازات التي يتمتع بها، وطالبت باعتماد التناوب على المنصب بين أقطاب المعارضة.

وإذا كان أمر زعيم المعارضة قد أخذ مظهراً كاريكاتورياً، كما يرى البعض، في ظل السير العادي للمؤسسات الديمقراطية، فإنه فقد معناه بعد الانقلاب الذي قاده الجنرال ولد عبدالعزيز، وبعد الموقف المثير للجدل الذي اتخذه أحمد ولد داده زعيم تجمع القوى الديمقراطية من هذا الانقلاب.

وكان أحمد ولد داده، الأخ غير الشقيق لأول رئيس موريتاني (الراحل مختار ولد داده الذي انقلب عليه العسكر سنة 1978)، قد فاجأ الكثيرين عندما أعلن بعد أيام من انقلاب السادس من أغسطس/آب الماضي: إننا نؤيد تغيير السادس من أغسطس/آب، ونحن عازمون على الاستمرار في المساهمة من أجل نجاحه.

ويبدو أن زعيم تجمع القوى الديمقراطية في موريتانيا أصيب بكثير من الحرج، لأن معظم حلفائه الخارجيين يصنفون في خانة القوى الديمقراطية والاشتراكية المعروفة بحساسيتها الشديدة تجاه العسكريين الانقلابيين، ولأن هؤلاء الأخيرين في موريتانيا خيبوا أمل ولد داده عندما رفضوا الالتزام بأي أجندة لتنظيم انتخابات رئيسية قريبة، وعندما رفضوا كذلك الالتزام بعدم ترشحهم في انتخابات الرئاسة التي لوحوا بها دون تحديد برنامجها الزمني.

وإذا كان ولد داده قد نجح، بعض الشيء، في التميز عن العسكريين حينما اعتذر عن إشراك حزبه في الحكومة التي عينوها، فإنه، رغم ذلك، بقي في وضع غير مريح، وعبر عن هذا الوضع في حديث مطول أدلى به إلى يومية الاتحاد الاشتراكي المغربية، ونشرته هذه الأخيرة في عددها المزدوج ليومي الخامس عشر والسادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني. وهكذا، فبعد التصريح المؤيد للانقلاب المشار إليه أعلاه، يقول زعيم تجمع القوى الديمقراطية لليومية المغربية: نحن نسجل وقوع الانقلاب، ولسنا ضده ثم يقول على الأصح لا نحن مع الانقلاب ولا ضده، ثم يحاول التملص من الموضوع كلية قائلاً: الجدل غير مجد هنا. وبالإضافة إلى هذا وذاك يحاول الزعيم السياسي الموريتاني الكبير حل المشكلة، على صعيد اللغة، بدل حلها على صعيد الواقع، ويؤكد في هذا الصدد: ليس هناك أي حزب ديمقراطي يستطيع القول انه مع الانقلاب العسكري لأن في ذلك تناقضاً مبدئياً، ولقد قلت مرة إن هذا إصلاح، لأنني لو قلت إنه انقلاب لكنت ضده منطقياً.

ويقول ولد داده إن انتخابات الرئاسة الموريتانية سنة ،2007 التي تم التنويه بها محلياً وإقليمياً ودولياً، كانت انتخابات مزورة وان العسكر زجوا بكل قوى الدولة، ووسائلها العسكرية، والأمنية، والإدارية، والمالية، والدبلوماسية، من أجل فرض هذا الرجل. الذي عاش خارج البلد أكثر من 20 سنة.

وتقدم زعيم تجمع القوى الديمقراطية في موريتانيا بمبادرة لمعالجة الأزمة السياسية في البلاد، وتكريس الاستقرار فيها. وتقوم هذه المبادرة على ثلاث دعائم.

تتمثل الدعامة الأولى في اعتبار أية عودة للرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله إلى الحكم بأية طريقة كانت أمرا مستحيلا. ولم يكن ولد داده وهو يتحدث عن هذه الدعامة صارما وجازما فحسب، بل لوح بخطر الحرب الأهلية إذا ما حاولت جهة من الجهات إعادة الرئيس المنتخب إلى موقعه الشرعي والدستوري.

وتتمثل الدعامة الثانية في تخلي العسكر عن السلطة بعد تنظيمهم لانتخابات نزيهة وحقيقية.

وخلال حديثه عن المؤسسة العسكرية يبذل ولد داده جهداً كبيراً في اختيار الكلمات المهذبة، وفي الإشادة بالجيش. ويقول في هذا الصدد إن بين العسكر والشعب معاهدة دم، فالجيش يهب دمه من أجل الدفاع عن الوحدة الوطنية والحوزة الترابية، ويجب على الشعب أن يمكن الجيش من تبوؤ مكانته وتوفير الوسائل التي يتطلبها لأداء مهمته السامية والنبيلة.

أما الدعامة الثالثة فتتمثل في تنظيم انتخابات نزيهة حقاً بإشراف الجهات السياسية كلها وتحت أنظار المجتمع الدولي. وكما سلفت الإشارة إلى ذلك، فإن الانقلابيين، بمجلسهم الأعلى وبحكومتهم وبقية أجهزتهم، هم الذين سينظمون هذه الانتخابات.

والطريف في الأمر كذلك أن ولد داده الذي يصرخ بكل قوة ضد ما وصفه بالتزوير في الانتخابات الرئاسية التي نظمها انقلابيو 2005 بقيادة العقيد علي ولد محمد فال، وأحيطت بالكثير من الضمانات، وحظيت بتثمين دولي قل نظيره، يتحدث باطمئنان مخيف عن انتخابات رئاسية قد ينظمها العسكر الذين أثاروا حولهم جدلا واسعا في الداخل والخارج.

وفي ضوء ما سبق، يصعب رفض القراءة التي تفيد أن ولد داده رأى في إزاحة العسكر لغريمه ولد الشيخ فرصته التاريخية للظفر بكرسي الرئاسة الذي ظل يجري وراءه منذ 1992.

ولكي يتحقق المنال فلا بد، في الأول والأخير، من كسب تأييد العسكر ومن إقناعهم بأنه سيكون رجلهم المناسب، و بأنهم في غير حاجة إلى تولي الرئاسة.. إذا عهدوا إليه بأمرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"