الإرهاب يضرب العراق

23:38 مساء
قراءة دقيقتين

علي قباجه

عاد تنظيم «داعش» الإرهابي للظهور مجدداً بخلاياه النائمة التي تكبر يوماً بعد يوم، مستغلاً انشغال حكومة مصطفى الكاظمي في الخروج من أسوأ أزمة اقتصادية ضربت البلاد، تزامناً مع تصديها لتفشي وباء «كورونا». التنظيم تمكن مؤخراً من تنفيذ عدد من الأعمال الإرهابية التي أودت بعشرات الضحايا، بل وضاعف من هجماته ضد الجيش والمرافق المدنية الحيوية، في ظل حالة من عدم الاستقرار الأمني التي تعم العراق جراء الانقسام السياسي الذي شهدته البلاد مؤخراً، إضافة إلى انسحاب جزئي لقوات التحالف الدولي.

 الاعتداءات الإرهابية تركزت في محافظات صلاح الدين وكركوك وديالى والمعروفة باسم «مثلث الموت»، ولم تسلم بغداد ومحيطها، إذ قُتل ستة من أفراد قوات الأمن وأربعة مدنيين قبل أيام قليلة، في كمين نصبه «داعش» قرب سلسلة جبال مكحول الواقعة على بعد مئتي كيلومتر شمال العاصمة.

هذه الاعتداءات طرحت تساؤلات عدة عن الخطط الأمنية التي أعلن عنها الكاظمي ومن خلفه الأجهزة الأمنية، إذ واجهت الحكومة سلسلة انتقادات واتهامات بالفشل في مواجهة الإرهاب وحصره، بعد ثلاث سنوات من الانتصار على التنظيم، فالعديد من العراقيين رفعوا أصواتهم محذرين من عودة الأوضاع إلى المربع الأول، مع ظهور مؤشرات لقيام التنظيم المتطرف بتنظيم صفوفه وشن عمليات نوعية. فالظروف الحالية للعراق تشكل بيئة خصبة لبدء «داعش» في الضرب بالعمق، وإيذاء خاصرة البلاد الرخوة، في ظل وجود ثغرات أمنية وتراخ سهل تحرك خلايا التنظيم، هذه الثغرات التي صُنعت جراء التجاذبات السياسية ونظام الطوائف وما تبعهما من اصطفاف ميليشياوي أدى إلى تراجع حكومي عن التفرغ لمواجهة التحديات الكبيرة والمتشعبة التي ما تزال قائمة في العراق.

 دراسة مهمة نشرها المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، أشارت بوضوح إلى أن نشاط التنظيم الإرهابي تسارع بشكل كبير منذ فبراير 2020 فصاعداً، حيث لفتت النظر إلى اقتراب التنظيم للنقطة التي سبقت اجتياحه لثلث العراق في عام 2014، فطبيعة هجماته تظهر جلياً أنه ينتقل من مرحلة إعادة بناء إلى أخرى تتميز بهجمات على غرار حرب العصابات، ويدعمه بذلك ضعف القبضة الأمنية على الحدود التي تفصل العراق وسوريا، وتمكنه من ضخ الإمدادات، إضافة إلى تمركزه في الصحراء، والتي يعجز الجيش في تغطيتها.

المرحلة المقبلة تحمل في طياتها المزيد من المخاطر، فالعراق بأطيافه أمام اختبار حماية بلدهم، قبل انزلاقه إلى حافة المجهول. وفي ظل أوضاع إقليمية وعالمية تحفها التوترات، فإن بلاد الرافدين يقع على عاتقها رص الصفوف واللجوء إلى هدنة بين التيارات السياسية المتصارعة، للوقوف أمام المهددات الكثيرة التي تتربص لتنشب أنيابها، وأخطرها الإرهاب الذي يُستغل من قبل البعض لتدمير بلد الحضارات.

الحكومة غير معفاة أيضاً، فهي مطالبة بتنفيذ وعودها بالإصلاح تلبية لرغبة الشارع الذي خرج مقدماً دماءه في سبيله، وهذا من شأنه خلق استقرار يُمكّن من محاصرة الميليشيات الخارجة عن القانون والإرهاب، ويهيئ لمرحلة مقبلة يكون قوامها دولة صلبة خالية من العصابات الإرهابية ويحكمها القانون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"