عادي

ثورو.. الحياة الحقيقية في البساطة

23:32 مساء
قراءة 3 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

تحدى الكاتب الأمريكي هنري دافيد ثورو (1817– 1862) النظام الاقتصادي والحكومة الأمريكية والتظاهر الاجتماعي بالتدين، على نحو ما كان سائداً في أوائل القرن التاسع عشر، في «نيو إنجلاند»؛ حيث عاش ثورو عامين، مقيماً في كوخ، شيده بنفسه، وجعل هذين العامين أشهر أعوام حياته، بما سجله من وصف للتجربة في كتابه «والدن».

يقول ثورو للناس في «والدن»: «بسطوا حياتكم، عيشوا بدون الممتلكات عديمة الجدوى والسخيفة، قوموا بالقليل الضروري من العمل لإعالة أنفسكم، ثم عيشوا بالحقائق البسيطة والقيم الروحية».

ما كتبه ثورو عن «العصيان المدني» أوحى إلى المهاتما غاندي بفكرة المقاومة السلمية، التي وضعها موضع التنفيذ، ليحصل للهند على حريتها، والمصلحون الاجتماعيون في إنجلترا في أواخر القرن التاسع عشر، كانوا يحملون نسخاً من «والدن» في جيوبهم، وكذلك صنع رجال الخدمة العامة الأمريكيون أثناء خدمتهم فيما وراء البحار، خلال الحرب العالمية الثانية، وتولستوي اعترف بما كان لثورو من تأثير عميق في تفكيره.

ظل ثورو مجهولاً نسبياً في زمنه، وحين زادت شهرته ونفوذه، فاقت كثيرين، وقد أبرز في حياته وأعماله روح الاستقلال، ولم يكن يحب الضغط الاجتماعي، الذي تمارسه أي جماعة بقصد إملاء إرادتها، فهو يأبى أن يستغله أحد، وأن يرغمه أحد على ما لا يريد، فاهتمامه منصب على الفرد، وكان يستنكر التضييق على حريات الناس.

لم يجلب له كتاب «والدن» الشهرة السريعة والثراء، فقد قوبل في البداية بنقد لاذع، وكتب أحد النقاد: «إن هدف ثورو غريب فهو يحاول أن يكون شيئاً مذكوراً، وهو يعيش على لا شيء، وهذا نقيض القاعدة العامة التي تقضي بأن يجاهد المرء للحياة على شيء ما، في حين أنه لا يصنع شيئاً» إلى أن كتبت في إنجلترا الروائية جورج إليوت إن «الكتاب قطعة من الحياة الأمريكية الخالصة، فهو كتاب يفيض بروح التجديد المتوثبة، غير أنها هادئة، وهذه ميزة تتصف بها العقول المرهفة».

ولم يكن ثورو يتوقع الشيء الكثير من «والدن» وقال إنه يدرك أن الفقر وخمول الذكر اللذين يتمتع بهما طويلاً جداً، لا يخلوان من ميزة، لأنه ظل يعيش ويكتب يومياته خلي البال، فقد أنفق الجانب الأكبر من عامين في مراقبة الأزهار بصفة خاصة.

كان ثورو يمارس البساطة ويبتهج لأبسط الأمور، ويزدري التعقيدات التي لا لزوم لها ويندد بها، واجتهد في أن يجعل حياته بسيطة قليلة المطالب ما أمكن، وحث غيره على تخليص حياتهم من المعوقات، حتى يتاح لهم التحرر ليعيشوا، وقد صدرت 6 تراجم عن حياته، وكل كاتب من هؤلاء رآه من خلال مزاجه الخاص، ومن خلال ما يحب ويكره وما ينحاز له من آراء سابقة، فهو العاطفي الرومانسي، وهو الجار الدمث المحب للحكمة، وهو الشاب الواعد الرواقي قاطن الغابة، وهناك من نبذ ساكن الكوخ الريفي الذي أساء إلى ما كان يعتبره الجانب الأرقى من ميوله الذوقية وتحضره الثقافي، وهو المتهرب من الحياة لجبنه.

يقول ثورو: «ذهبت إلى الغابة لأنني كنت أرغب في العيش بشكل متعمد، وأن أواجه فقط الحقائق الأساسية للحياة، وأعرف ما إذا كنت لا أستطيع أن أتعلم ما ستعطيني إياه من دروس، وألا أكتشف عند اقتراب موتي أنني لم أعش، لم أرغب في أن أعيش ما لم تكن الحياة حياة، فالعيش عزيز جداً؛ لم أرغب في الاستسلام، إلا إذا كان ضرورياً للغاية، أردت أن أعيش بعمق، وأمتص كل نخاع الحياة، وأن أعيش بقوة وثبات».

وعلى مدار سنوات، وبينما كان يعمل على سداد ديونه، كان يراجع مخطوطة ما نشره لاحقاً في عام 1854 ككتاب بعنوان «والدن» وفاز في البداية باهتمام عدد قليل من القراء، لكن في وقت لاحق اعتبره النقاد عملًا كلاسيكياً، فكتب الشاعر روبرت فروست: «إن ثورو في كتاب واحد يتفوق على كل ما لدينا في أمريكا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"