نسيان مفارقات لعبة اللغة

01:27 صباحا
قراءة دقيقتين

عبد اللطيف الزبيدي

هل بدأنا نلعب؟ أمس: مفارقات نسيان لعبة اللغة. اليوم: نسيان مفارقات لعبة اللغة. بداهة، لا يمكن أن يعشق الناس لغتهم إذا لم يُحسّوا بجمالها ومفاتنها. ولا يمكن أن يألفوها ويأنسوا بها، إذا رأوها متجهمة، ثقيلة الدم، عبوساً، عليها أغلال من التكلف، وقد قالوا: «من الألفة عدم الكلفة». هنا يدخل اللعب الميدان، يتألق المرح والدعابة والظرف. «أفِق خفيف الظل».

لكن اللعب يختلف من شخص إلى آخر. لعب الأبطال، ليس كلعب العبد البطّال. هنا تتباين الأساليب التربوية في إعداد المواد التعليمية.

على واضعي المقرر في الفرع الأدبي أن يضعوا في الحسبان تأهيل الدارسين تأهيلاً راسخ الأسس، متين البنيان، عالي السقوف، حتى تجد المواهب حين تنبت، مروحة صينية فيها كل العناصر الممكنة، المساعدة على النمو. ما أسهل تسطيح هذه القضايا العميقة بغمزة استهزاء قائلة: ولّى زمان مقامات الحريري وترّهات البلاغة. 

نريد أساليب أدبية مثل التحرير الإعلامي في نشرات الأخبار. وللحفاظ على مكانة الأدب، نقرأ نشرات الأنباء بالعامية، مع أن الفضائيات تدوس الفصاحة.

من الضروري أن يتمرن الطلاب على ألوان كثيرة من التقنيات اللغوية والفنون الأسلوبية. ذلك أكثر من ضروري لاكتساب المهارات. لا يُدوّخنا البعض بالسذاجة، متوهّماً أن التمارين تعني الممارسة في الكتابة الإبداعية. مثلاً: التدرب على نظائر: «وقبر حربٍ في مكان قفر :: وليس قرب قبر حربٍ قبرُ»، ليس دعوة إلى الكتابة على هذا النحو؛ بل ليس حتى دليل إعجاب، ولكنه يجعل اللغة عجينة مرنة في يد الذهن. إذا لم يتدرب العازف على أعمال فرانز لِيست، فكيف يسيطر على تلك المهارات الصعبة؟ كم في الجودو والكاراتيه من مستويات في مراتب التقنيات؟

الغريب هو أن التمارين القصوى في اكتساب المهارات، يراها كثيرون ضرورية جداً في رياضات مثل كرة القدم والسباحة، في الباليه والعزف، في الألعاب الاستراتيجية كالشطرنج، ولكنهم لا يرون امتلاك ناصية اللغة وتطوير التقنيات في الكتابة، يحتاجان إلى دربة تؤدي إلى مكنة وتحكّم في الفروسية على صهوة اللغة. 

الكلمات كأحجار الشطرنج، كأصابع البيانو، كأوتار العود، كألوان الرسام. الموهبة والقدرات الإبداعية رائعة، ولكنها طاقات بالقوة، تحتاج إلى مهارات نظرية علمية وقدرات تأهيل طويلة وشاقة، لتغدو أضواء وأنواراً تشع وتتجلى.

لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: مفردات اللغة بيد المبدع تغدو سحر بيان، وعند غيره تصير لغواً لاغياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"