عادي

موسكو وبروكسل..حرب عقوبات

23:13 مساء
قراءة 4 دقائق
1

إعداد: بنيمين زرزور

كثرت قرارات فرض العقوبات في قاموس الدبلوماسية العالمي؛ حيث يرى فيها البعض النسخة الأرقى في سلسلة تعقيدات العلاقة الدبلوماسية بين الدول، بينما يرى فيها آخرون عجزاً وهروباً ذكياً من المواجهة العسكرية.

نزاع المصالح بين الدول الفاعلة على المسرح العالمي يجبرها على استخدام أسلحة متنوعة؛ لحماية مصالحها، وليست الحروب أفضلها بالتأكيد. وفي الحالة الروسية؛ حيث تتعدد أطراف النزاع ربما يكون تصعيد العقوبات الملاذ الآمن من الخوض في مواجهات عسكرية، يسهل إطلاق شرارتها، ويستحيل التحكم في مآلها.
 وتتعرض روسيا إلى جانب عدد من دول العالم الأخرى لعقوبات تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ نتيجة خلافات على سياسات محددة أو سلوك غير مقبول يتعارض مع مصالح تلك الدول أو مبادئها المعلنة في حماية الديمقراطيات والدفاع عن حقوق الإنسان.
 والقضية الساخنة اليوم بين روسيا والاتحاد الأوروبي تسبب بها مرض معارض روسي في أغسطس/آب الماضي هو أليكسي نافالني؛ حيث اتهمت ألمانيا الروس بتسميمه بينما لا تزال روسيا تصر على إنكارها.
 نافالني من جديد
 وفي أحدث فصول القضية، صدر قبل أيام تقرير طبي من مشفى «شاريتيه» لألماني الذي يعالج فيه نافالني. وأشار التقرير الذي نشرته مجلة «لانسيت» الطبية بعد موافقة نافالني نفسه، إلى أن المعارض الروسي الذي يدير صندوق مكافحة الفساد، نقل إلى المستشفى في 22 أغسطس/آب الماضي، بعد أيام من إصابته بوعكة صحية حادة وهو على متن رحلة جوية داخلية. وأكد التشخيص حالة تسمم بمادة مثبطة لإنزيم الكولينستريز. وهذا يتطابق مع ما أعلنته الحكومة الألمانية أن مخبراً تابعاً للقوات المسلحة الوطنية كشف آثار إصابة نافالني بمادة سامة من مركبات «نوفيتشوك». وأشارت الحكومة إلى أن استنتاجات المخبر الألماني تم تأكيدها من قبل خبراء سويديين وفرنسيين.
 وسارع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات جديدة ضد روسيا تشمل كياناً وستة أشخاص، على خلفية «قضية نافالني». وقال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إن موسكو لم تتخذ أي خطوات لتوضيح ملابسات الحادث.  ونفت موسكو مراراً تقارير عن ضلوع الدولة الروسية في محاولة اغتيال نافالني، متهمة السلطات الألمانية برفض التجاوب مع طلباتها بتقديم أدلة تدعم فرضية تسميمه بمركبات «نوفيتشوك».
 وفي تصعيد آخر أكدت ألمانيا أنه لا بد من تشديد العقوبات بحق روسيا ما لم تقدم توضيحات بشأن تسميم نافالني. وقال وزير خارجيتها: إن عقوبات متدرجة ومحددة ستفرض على مسؤولين روس إذا لم تقدم موسكو المعلومات الكافية حول الحادثة.
ورداً على خطوة الاتحاد الأوروبي؛ استدعت وزارة الخارجية الروسية سفراء ألمانيا والسويد وفرنسا في موسكو، وأعلنت فرض عقوبات على مسؤولين أوروبيين، رداً على تدابير كان الاتحاد الأوروبي قد تبناها في أكتوبر/ تشرين الأول.
وندّدت وزارة الخارجية الروسية بالعقوبات الأوروبية التي تستهدف مسؤولين كباراً، ووسعّت قائمة الممثلين عن دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي الممنوعين من دخول أراضي روسيا الاتحادية.
 للقصة بداية
 وهذه ليست المرة الأولى التي يتبادل الطرفان فيها فرض العقوبات؛ حيث فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات على روسيا في عام 2014 على خلفية الأزمة الأوكرانية وما أعقبها من ضم شبه حزيرة القرم إلى روسيا والنزاع المسلح في إقليم دونباس الأوكراني. ويتهم الاتحاد الأوروبي روسيا بأنها لم تنفذ اتفاقات مينسك حول تسوية النزاع بمنطقة دونباس شرقي أوكرانيا، بينما تقول موسكو إنها ليست طرفاً في النزاع الداخلي الأوكراني.
 وقد اتفق قادة الاتحاد الأوروبي مؤخراً على تمديد العقوبات على روسيا؛ بسبب التدخل المزعوم في الأزمة الأوكرانية، لمدة 6 أشهر أخرى؛ حيث تنتهي يوم 31 يناير/كانون الثاني 2021، وتم تمديدها حتى أواخر يوليو/تموز المقبل.
 وشملت القرارات حظراً على التزوّد بالتكنولوجيا للتنقيب عن النفط والغاز، وحظراً على تقديم الائتمانات لشركات النفط الروسية والمصارف الحكومية، وقيوداً على سفر المواطنين الروس المؤثرين المقرَّبين من الرئيس بوتين والمتورطين في ضم القرم. وردّت الحكومة الروسية بالمثل؛ إذ فرضت عقوبات على بعض الشخصيات الكندية والأمريكية، وفي أغسطس/آب 2014، فرضت حظراً كاملاً على الواردات الغذائية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والنرويج وكندا وأستراليا.
 إصرار رغم الخسائر المتبادلة
 يشار إلى أن روسيا كانت قد ردت على الاتحاد الأوروبي أيضاً بعقوبات شملت حظر استيراد المنتجات الحيوانية والزراعية من الدول المشاركة في العقوبات عليها، ما يلحق خسائر فادحة بقطاع الزراعة الأوروبي ويعزز منتجات الزراعة واللحوم والدواجن في روسيا التي حققت مؤشرات نمو مضاعف منذ فرض العقوبات.
 وخلص تقرير غرفة التجارة والصناعة في دوسلدورف الألمانية إلى أن منطقة اليورو تتكبد خسائر قيمتها 21 مليار يورو سنوياً؛ نتيجة فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.
وأشارت الدراسة إلى أن الصناعة التحويلية والهندسة الميكانيكية وصناعة السيارات والصناعات الكيماوية في دول الاتحاد الأوروبي، عانت أكثر من غيرها؛ من جرّاء القيود ضد روسيا.
من جانب آخر، أدت العقوبات إلى انهيار الروبل الروسي وتفاقم الأزمة المالية الروسية، وتسبّبت أيضاً في أضرار اقتصادية لعدد من دول الاتحاد الأوروبي؛ إذ قُدِّرت الخسائر الإجمالية لدى الطرفين بما يعادل 100 مليار يورو بدءاً من عام 2015. وقد أعلن وزير المالية الروسي أن العقوبات كبّدت روسيا خسائر بمقدار 40 مليار دولار، إضافة إلى خسارة أخرى قدرها 100 مليار دولار في عام 2014 بسبب انخفاض سعر النفط في العام نفسه نتيجة تخمة المعروض من النفط.
وفي أعقاب العقوبات الأخيرة التي فُرضت في أغسطس/آب 2018، بلغت الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها روسيا نحو 1.5% من نمو الناتج المحلي الإجمالي.
 توسيع دائرة الحصار
 من الواضح أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يصّران على تشديد العقوبات على روسيا وتوسيع دائرة التحالفات التي تدعم تلك العقوبات في وقت لا تبدو موسكو مستعدة للتراجع عن سياساتها الخارجية المعلنة. فقد انضمت اليابان سابقاً إلى قائمة الدول التي تفرض عقوبات على موسكو. وفي مارس/آذار فرضت أستراليا عقوبات على روسيا أيضاً.
 وتؤكد الدول المشاركة في العقوبات أنها ليست جزائية، ولكنها مصممة على إحداث تغيير في سياسة البلد أو الكيانات أو الأفراد المستهدَفين أو نشاطهم. ويبدو أن هذا النهج سوف يستمر طويلاً، على الرغم من الاختلاف في الحكم على جدواها، طالما أن خوض الحروب والمواجهة العسكرية غير واردة خاصة لدى الشعوب التي أنهكتها حروب القرن الماضي.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"