«كورونا» تعيدنا إلى الزراعة (2)

21:08 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

تطور القطاع الزراعي العالمي تاريخياً عبر عاملين:

أولاً: قسّمت الأراضي إلى قطع فردية صغيرة محددة الحدود مع سندات تمليك شرعية ورسمية بحيث شعر المزارع بأنه ينتج لنفسه وللسوق. وتطور الإنتاج، وتحسنت نوعية السلع، كما الإنتاج الحيواني، بفضل تقدم البحوث والعلوم فتحققت الأرباح، ونما القطاع.

ثانياً: اعتمدت الوسائل التقنية الجديدة عبر آليات وسماد وأدوية أصبحت متوافرة. وحصل التقدم ببطء مع الوقت لكنه كان مهماً وبخطى ثابتة ومؤكدة. واختلفت النتائج تبعاً لعوامل الطقس، وحسن استعمال التكنولوجيا.

لماذا حصلت الثورة الزراعية في بريطانيا تحديداً، وانتشرت بعدها إلى أوروبا وبقية دول العالم، علماً بأن هنالك دولاً نامية حتى اليوم لم تعرف بعد ثورتها الزراعية والحيوانية؟ هنالك عوامل عدة:

أولاً: الارتفاع الكبير في عدد السكان، وبالتالي ارتفاع الطلب على السلع الغذائية والحيوانية. وتشكلت مدن عدة كبرت مع الزيادة السكانية فتعززت وسائل النقل وتدنت تكلفتها. وفي هذه الفترة تعزز النقل البحري والبري للحاجة إليهما.

ثانياً: نشأ علم الاقتصاد في تلك الفترة مع كتاب أدام سميث في سنة 1776 «ثروات الأمم»، وبالتالي بدأت تظهر في المجتمع البريطاني كما العالمي عقلية التجارة والربح والعمل والاختصاص للنمو. وكانت أسعار السلع الزراعية مرتفعة تبعاً للدخل، لذلك وجدت الرغبة لزيادة العرض وتخفيض الأسعار.

ثالثاً: لا يمكن إنكار النتائج الاجتماعية الكبيرة للثورة الزراعية، وهي تشكيل المدن وخلق شبكات نقل ومواصلات لتحسين نوعية الحياة ولنقل السلع بين المنتج والمستهلك. ولا يمكن إنكار النتائج التقنية، أي إنتاج نوعية كبيرة من السلع وتحسن مهم للأرض التي أصبحت تنتج أكثر بفضل الأدوية والري والتقنيات الجديدة، كما انتشار العلوم الزراعية.

وفي الدول النامية والناشئة تعيش نسبة أكبر من السكان من القطاع الزراعي ومن المتوقع بعد «كورونا» أن ترتفع هذه النسبة. ولكي تنتعش الزراعة أكثر لا بد من التمويل وإيجاد ضمان للإنتاج الزراعي الخطر المرتبط بالطقس، كما البحث عن أسواق للبيع في ظل أسعار متقلبة. وهنالك قسم من القطاع الصناعي مرتبط بالزراعة أي التصنيع الزراعي المهم جداً لدول لا تستطيع القيام بالإنتاج الصناعي الثقيل، أو المتطور. إن تصدير السلع الزراعية مهم، لكن الأهم هو تصدير الصناعة الزراعية المعلبة.

وهنالك تقارب مادي يحصل اليوم بين الدول الغنية والأخرى الأقل غنى. ففي سنة 1990، كانت حصة الدول الغنية من الدخل العالمي 70%. أما اليوم وبفضل انتقال التكنولوجيا الحديثة إلى الدول النامية والناشئة، تدنت حصة الدول الغنية إلى 20%. ويعتبر هذا التحول ثورة في العلاقات الدولية يتنبه له العالم الصناعي اليوم.

* أكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"