عادي

هل البصمة وسيلة إثبات شرعاً؟

22:23 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

يرى جمهور العلماء أنه لا يجوز الاعتماد على قرينة البصمة في الحدود والقصاص، لأن الحدود تدرأ بالشبهات، فهي لا تثبت إلا بالشهادة أو الإقرار، ومتى وجدت بصمة إصبع متهم بالسرقة مثلاً على المكان المسروق منه، فلا يدل ذلك على أنه هو السارق، ومن ثم لا يجوز أن يقام عليه الحد شرعاً، بل يعّزر، وقد ورد في الأحكام السلطانية للماوردي (ص244) قوله: «وإذا نقب الحرز ودخل ولم يأخذ، ضرب ثلاثين سوطاً، فالتعزير هنا كان لمجرد تواجده في مكان لا يجوز له دخوله».
لكن البصمة الوراثية تاريخها قديم، فالصينيون قديماً اهتموا ببصمات الأصابع، وكانوا يشترطون التوقيع بها على العقود، وفي أوروبا ظهرت أهمية البصمات في البحث الجنائي والكشف عن سوابق المجرمين سنة 1890، كما هو واضح من أبحاث العالم «فرانسيس جالتون» واستخدمت مصر القديمة منذ عام 1897 البصمات في التحقق من شخصيات المجرمين، كما يذكر المستشار محمد أنور عاشور في كتابه: «المبادئ الأساسية في التحقيق الجنائي العلمي» (145).
والأهم من ذلك كله أن الشريعة الإسلامية سبقت العلم الحديث في اعتماد البصمة، فالمفسرون يقولون  إن الله تعالى في قوله: «بلى قادرين على أن نسوي بنانه»، (الآية 4 من سورة القيامة)، يريد بالبنان أطراف الأصابع، (راجع تفسير ابن كثير ج4 ص702).
فبالبصمة اليوم يتعرف المحقق إلى شخصية الجاني، لأن بصمته على المكان دليل على أنه وجد في ذلك المكان وقت الحادث.
وتدل البصمة على أنه تناول الأشياء، ومن خلالها نتعرف إلى شخصية القتيل المجهول في المكان المجهول، وبالبصمة نصل إلى اسم المتهم في جرائم التزوير، ونتعرف إلى سوابق المتهم، وبالبصمة نتعرف إلى سن المتهم، لأن بصمة الطفل أصغر حجماً من بصمة رجل كبير (راجع «حجية الدليل المادي في الإثبات في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي» للدكتور شحاتة عبدالمطلب ص119/117).
ويقول الدكتور ناصر بن عبدالله الميمان الأستاذ بجامعة أم القرى، عضو مجلس الشورى بالسعودية: ومن مسوغات الاعتماد على البصمة الوراثية أن العمل به في المجال الجنائي من باب العمل بالقرائن، والشرع أجاز العمل بالقرائن في الجملة كوسيلة من وسائل الإثبات، ثم يقول: وقد ألف ابن القيم كتابه النفيس: الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية في جواز الاستدلال بالقرائن والأمارات، وعدم الوقوف مع مجرد ظواهر البينات، وقد قسم الجويني إمام الحرمين مراتب العلوم إلى عشر مراتب، وجعل المرتبة السادسة في العلوم المستندة إلى قرائن الأحوال.
نعم.. وتحليل البصمة اليوم يوافق مقاصد الشريعة التي تدعو إلى حفظ الكليات الخمس وحفظ الأمن والاستقرار للأفراد والمجتمعات، وهكذا تقرر القاعدة الشرعية التي تدعو إلى جلب المصلحة ودرء المفسدة.
ولو استعرضنا النصوص في ديننا الإسلامي لوجدنا أحاديث مثل حديث أن عمر رضي الله عنه جلد من وجد من فمه رائحة الخمر تنتشر، وكذلك جلد ابن مسعود الزبير حين وجد أن رائحة الخمر تنبعث من فمه، وهذا هو مذهب الإمام مالك الذي يقول بإثبات الحدود بناء على القرائن، ومذهب ابن القيم مثله.
لذلك فإن المجمع الفقهي في دورته السادسة عشرة المنعقدة في مكة في الفترة من 21، 26 من شوال من عام 1422، قرر أنه لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص.
كما أن الشريعة الإسلامية لا تمنع من الاعتماد على البصمة في المعاملات التجارية التي تحتاج إلى التصديق مثل العقود وغيرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"